دلالة فن الرسائل
|
*أحمد الدويحي:
فاتحة
أريد أن أقرأ لك شيئاً عن هذا الخذلان الذي استوطن قلبي/ عن عنف الآثار الانسحابية لحب فاشل/ عن عذاب المرآة عندما تعشق رجلاً متزوجاً تعوَّد امتهان الكذب!
لا تكتب عن (زرقاء اليمامة)، فالصديقات يعرفن مَن هي، وأنا أريد أن أقرأ لك دون أن ينتهك أحد سري الذي أفشيته لك في ذروة ألمي/ هل تفعل؟ ستكون حروفك بلسماً يشفي سقم الروح/ هل أنتظر؟ كيف ومتى وأين؟
(زرقاء اليمامة)
الرسائل في الكتابة الروائية النسائية المحلية ملمح لا يمكن أن تخطئه العين، ويكشف بوضوح عمق القيود المجتمعية التي كبلت المنتج الروائي النسائي ليوظف هذا المعطى الإنساني فنياً (الرسائل) بين شرائحه المختلفة، وبالذات الشرائح الشبابية، منسجمة مع روح المرحلة، وبلغة العصر، وبما أحدثته ثورة التقنية، ليشكل انقلاباً في كثير من المفاهيم. ثلاث روايات محلية في ظرف ثلاثة أشهر تنسمت حرية التعبير بأشكال مختلفة، شيء لا يصدق!! نحن الذين كنا ننتظر سنوات ليجود المشهد الروائي المحلي بنص واحد، ولو جاءت الكتابة من كاتب أو كاتبة عبروا على عجل واقعنا الاجتماعي، لنجد أن بعض النقاد يحتفون بتلك النصوص، وبالذات النسائي (مسك الغزال - حنان الشيخ)، كتعويض لنقص نتاج محلي، ولنسقط عليه ما نريد من أفكار ورؤى. ثلاثة نصوص لثلاث كاتبات ينتمين إلى بيئات مختلفة نسبياً، وينتسبن إلى ذات الهم والسقف. حفلت الروايات الثلاث بعوالم ثرية، الأحداث والشخوص والمتغيرات والإبداع المفرح، فجاءت النصوص محملة بالرسائل المتنوعة، لتبث شيئاً من تشابك ذلك النسيج المجتمعي بكل أطيافه، ولتكسر حدة السياق والتراكم السردي، لتشكل هذه الدلالة العميقة لهذا المنحى الفني في النتاج الأنثوي السردي.
رواية (بنات الرياض) أولاً أحدثت ما أحدثته من أصداء تجاوزت المعقول في الداخل والخارج، وجنون الحدث حول هذه الرواية ما زال يتواصل، كما حدث من مضاعفات خارج النص في معرض الكتاب الأخير، وصار ما خارج النص قضية وحده، وكُتب عن النص بين مؤيد ومنافح له وضده ما لم يُكتب عن النص المحلي المتراكم من ستين سنة، ولتصبح الطبيبة الكاتبة والروائية الشابة في غمضة عين قضية يسهر الناس جراءها ويختصمون. وتلك الرواية في الأصل عبارة عن رسائل عبر الشبكة العنكبوتية تبث كل يوم جمعة لتحمل حكاية بغض النظر عن المضمون واللغة والشكل والبناء الروائي وحالة السرد، فالإشارة هنا تعني حالة واقع الأنثى الروائية بما للمجتمع من إشكاليات غامضة ليست في صالح المرأة بتاتاً، فطُوعت وسائل تقنية الاتصالات الحديثة لتصبح منفذاً وجزءاً من الواقع المعاش، وجزءاً أصيلاً من بناء وتكنيك النص الروائي الأنثوي الحديث.
وثاني تلك النصوص الروائية (وشاح الذاكرة) للكاتبة الزميلة حسنة بنت عبد الله القرني، صادرة عن دار المفردات بالرياض، نص يحمل ملامح ذات المرحلة وكثيراً من إرهاصات هذا الجيل. ونجحت خريجة اللغة العربية وآدابها في إضفاء شيء لروايتها من هذا الملمح، فعالم الكاتبتين بيئة اجتماعية متماثلة، ومتشابه في الخارج إلى حد ما (الرياض - الخرج)، وليست شريحة واحدة مشتركة بين (رجاء - وحسنة). والإشارة هنا إلى (الوشاح) توظيف لمركز الإرسال (الذاكرة) الأنثوية، فتتفجر نوافذ الحكي والسرد بلغة شعرية بما لها من طاقات إنسانية مذهلة. يُحسب للرواية أنها لم تقيد النص بشريحة اجتماعية محددة، عكس ما يوحي به عنوان (بنات الرياض) من شمولية، ويتدثر في الواقع الوشاح المخملي. ويأتي هنا شيوع نص ونص مماثل والاحتفاء به كالفرق بين إصدار أدبي في الداخل والخارج بغض النظر عن قيمته الفنية والأدبية.
وثالث تلك النصوص الروائية (غير.. وغير)، صادرة عن المركز الثقافي العربي، للكاتبة هاجر المكي الاسم الغامض في المشهد الروائي، وصدفةً أن تأتي تسمية الرواية من قصيدة للشاعر طلال حمزة رامزةً للمدينة في مهرجانها (بس جدة.. والله غير). وقد جاءت من قبل تسمية رواية (بنات الرياض) من مقطع لأغنية عبد المجيد عبد الله. تحمل ذات المفردة (يا بنات الرياض..)! مراد (الموداني)، هذه المفردة الحجازية الموغلة في القدم ترددها العجائز من النساء عند السؤال حينما يراد تحييد الرجل، تذكر ما قرأه بالأمس لأبي حيان التوحيدي فيلسوف السؤال: (كل مُرادٍ مُختار، وليس كل مُختارٍ مُراداً)، فصار بوسع أستاذ النحو اللامع أن يضحك بهذه الروح الساخرة وقد لحس عقله فقه الواقع لا فقه اللغة، فانخرط قارئ الكتب في حرفة جديدة: قراءة الجدران والأسوار المجدورة بالكتابات، الأغاني العابرة والرسائل القادمة ممن لا يعرف، الإعلانات والشعارات التي تملأ الحيطان في التعبير عن حياة مدينة، وكأنها صحيفة شائعات بلا رحمة ولا كتمان.
وأولى رسائل (الموداني) من وراء الحائط، هناك من يحاول أن ينقل لي رسالة.. مسفر تلميذه القادم من الجنوب يحمل كل بهاء السراة: العيون المخملية، المخيلة المذهلة، عكسه هو الموداني بجسده الضئيل وملامحه الحادة، لا يبسطها إلا الدخان، مسفر بلا شك هو أحد مستهدفيه من الكَتبة. لن أجازف برسالة أخرى من بين آلاف الرسائل المضمرة لرواية (غير) تحمل كل هذا التنوع المذهل لنبض الناس، وكسرت كل القيود: (بحر الماء أمامكم، وبحر البشر خلفكم، وليس لكم إلا الغرق..).
أكتفي هنا برسالة زرقاء اليمامة المعنية بهذا السياق، والإشارة إلى الذاكرة الذكورية لبطل النص، وأقول: ابحثوا بين أسوار جامعة الملك عبد العزيز بجدة عن أستاذ النحو المنحوس، له سمات بطل هذا النص (الوسواس - الخناس)، لنلصق به تهمة كتابة هذه الرواية، أسوةً بما حدث لرواية (بنات الرياض) والدكتور القصيبي، وحتى نجده دعونا نردِّد: جدة.. والله غير!
aldwi7y1000@yahoo.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|