الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 26th September,2005 العدد : 124

الأثنين 22 ,شعبان 1426

قصة قصيرة
صحراء الظَّمأ
عيسى مشعوف الألمعي
لا أحد معه في ذلك المكان بالذات وتحديداً غير الثالوث المرعب.. الصمت.. القلق.. والجدران.. يكاد سنا تأثيرها يخترق الأشياء الصلبة.. وزوابع الأحزان تعصف بالزوايا المتينة، والشمس تجري لمستقر لها، وشرفات الأمكنة تتماوج بالسراب.. والخبث.. والحسرات.. فهي مطلات على دواخل القلوب المؤصدة.. انتهى فصلٌ يكاد يبتلع الفصول الصغيرة المحيطة بالمجرات البعيدة؛ حتى كأن الرأي ليلحظ الفوارق المعتمة؛ فتتوجس أعصابه بالخوف أو يحل قريباً من هذيانه الرعب والتعاسة المفرطة، رحل زمن التخيلات عن بُعد من عقله؛ يقول انتهى لأنه يجزم أن عفن الواقع والحقائق هما من يعيشان الآن.. لا التخيلات. صمت بُرهة ثم بصق على تراب المكان الواجف الذي أهلكته الحرارة والسراب كالصحراء الأفريقية، حدّث نفسه المتآكلة:
لا أحدْ يعيش بدون سواعد متينة تسنده من السقوط.. الإنسان العادي المسكين كالطفل المعاق يحتاج إلى سواعد تربت عليه وعصاتين تساعدانه على السير بأمان.. يظنُّ أن تخيله يسبح في قلبه المتأجج خوفاً.. هيئته كشبح الخوف، قام من مكانه ليغيّر جلسته من المكان الأغبر، في الماضي سمع جدته حفظها الله في جنة الخلد تقول: إن الشياطين تلوذ بنا إذا ادلهمت الخطوب والصواعق ومكثنا لا نتطهر.. مما جعلته يتذكر نصائحها التي تقيه بأسه.. والشياطين كل ظالم وجاحد ومتربص من الأنس تدور حوله في الطرقات بخبث، في يوم من أيام حزيران الكئيب رفسه الحمار الأبيض بقسوة، كانت يدا الجدة الرؤوم تحملانه بعيداً وتساعدانه على الصمود. قبل أعوام خلت كان عند ذلك الوقت طفلاً صغيراً جداً يمضغُ قطعة خبز صغيرة لكي يسد رمق غريزة الجوع. والعُري هو سمته في التعبير عن تغيير الثوابت المُسلّمة في الحياة. ملبس، ومأكل، ومشرب، وغريزة أخرى لم تكن تسكن جسده الطري. فقد عرفها لاحقاً، كانت لذيذة حتى في المنام، مُزعت رؤوس أحلامه مثل رؤوس الفجل، فبقيت تترنح مرتعشة أمامه كالطائر المذبوح، عندها حلّ الحزن به، وبقي يجدّف.. ويجدّف وحده حتى تورمت ساعداه كثيراً وانتفخت أوداجه.. حينها اكتشف أنه كان يجدّف في تراب موحل... ضحك الواقع عليه من تصرفاته الهوجاء في الحياة حتى بانت نواجذه لامعة.. لعله كان يسخرُ منه كالمعتوه لأشياء يجهلها.. وكأنه يقول له:
لا أحد يجدّف في الوحل المُبتلْ إلا أنتّ.. هل أنتَ مجنون رسمي؟!.. وتعالت قهقهاته السمجة.. أشحَّ بوجهه عنه مغاضباً وهو يتمتم:
واقعٌ مؤلم..! تذكّر.. بعد حين من الدهر لم يشبعْ إلى الآن من تجرع اليأس وقطعة الخبز والرغبات المتوحشة.. مكثَ يعيش في دوامة التصحر العقلي وظمأ البصيرة، والحياة أصبحت قرية صغيرة.. وأمه تحيك له سربالاً لكي يقيه الحر.. وسربالا ً آخر يقيه شر عفن الواقع المُر.. وثالثاً لكي يقيده من حرية الركض والتعبير.
الصفحة الرئيسة
أقواس
شعر
فضاءات
نصوص
تشكيل
كتب
مداخلات
الثالثة
مراجعات
اوراق
سرد
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved