(مدافن السيوف).. بين الوطن والغربة (سمير النحيلي) يجسد مهابة الحزن في وجوه أبطال قصصه مطالعات عبدالحفيظ الشمري
|
العمل القصصي الأول للكاتب سمير النحيلي يسمه بعنوان (مدافن السيوف) ويقدمه للقارئ على هيئة اضمامات سردية تجسد قدرته على البحث والاستقصاء لأدق تفاصيل الحياة البسيطة.
لقد انشغل النحيلي في تقديم صور وهيئات شخوصه حيث جعل منهم أمثولات يمكن لنا ان نطبقها على الواقع، فبطل القصة الأولى (عرس الخاطئة) وان لم يكن واحداً فقد ظل يحمل نزق الحياة التي لا يمكن لها أن تتحول.. تلك التي وسمها الكاتب بأنها (أم التناقض وعالمه المتباين).. ذلك الذي يخلط (الأهازيج بالنواح، الأسود بالأبيض والموت بالحياة، المنتقم من الخاطئة والمنتقم لها) لتتجسد في الإطار العام للسرد مفردة المفارقة التي أججت النص.
في النصوص التالية يعمل الكاتب وبمهارة فائقة على رسم اللوحة الإنسانية المفرطة في بساطتها وعفويتها حتى أننا نشعر وكأننا معهم في معاناتهم اليومية على نحو ما يقدمه (الراوي البطل) في قصة (صهيل الخريف) حينما يهم بالخروج من مأزق حياته المؤذي، فحينما يستحضر (الخيول) ومخرج (العبور) و(الحطاب وفأسه) تتجسد رغبة إنسانية قوية في الخروج من مأزق حياته.
(مدافن السيوف).. صور وأسماء
تذهب قصص المجموعة إلى عمق الحياة الإنسانية، ليفتش الكاتب (النحيلي) ومن خلالها عن ألق ذلك الأمل الذي يرتسم للأسف ضعيفاً خائراً على نحو ما نطالعه في قصة (الهاتف) (المجموعة ص 45)، فالغربة تأتي على هيئة حزن لاعج يعبث بالمشاعر الإنسانية، لتتجسد في هذا السياق مغامرة البحث عن ذات داخل هذه المتاهة المعاندة.. حتى ظل (الهاتف) مع الغربة شريكاً حياتياً.. بل هو نافذة وحيدة يطل منها (المغترب) على عالمه الذي اقتلع منه.. فالصورة الرئيسة لهذا المشهد تتجسد بحجم هذا العناء الذي يكابده في هذا العالم الذي يزداد صعوبة يوماً بعد آخر، كما يأتي المحرك الأول لهذه القصص متمثلاً برؤى أبطال القصص الذين يسهبون في وصف حياتهم ويجهدون في تقديم واقعهم.. ويدفع هؤلاء شيء واحد هو الأمل في تغيُّر الحال عما هي عليه، إذ نرى الأبطال في المجموعة يدخلون في صلب مسؤوليات (الراوي الكاتب) حتى تصبح القصة شهادة إنسانية متكاملة التكوين.
سرد يتكئ على الحكاية ويستميل اللغة
ولنا أن نلاحظ أيضاً بأن الكاتب سمير النحيلي قد نجح في استحضار الحكاية الشعبية وتقديمها عبر مدلولات محددة تساعد وتسهم في بناء علاقة واضحة بين النص وبين القارئ الذي قد لا يجد صعوبة في تقبل الفكرة العامة للقصة إلا أن الكاتب يظل مسكوناً بهاجس البحث عن قمة حكائية شيقة يتطلبها عنصر القص وهو ما تجسد في قصة (مدافن السيوف) التي تحمل اسم المجموعة، لنراه وقد طرز عالمه السردي بتلك الصور الحكائية العفوية عن البطلة (أم جميل) التي مثلت برؤيتها الاجتماعية دور المرأة في حياتنا.. بل نراها وقد أصبحت أكثر قدرة على صياغة علاقتها بالماضي لتجعل منه سنداً افصاحياً يشد من جلدها وتحملها للواقع الذي تعيشه وتحافظ على تكوينه تماماً مثلما فعلت بسيف زوجها الذي جعلته رمزاً للرجولة لكنها حينما دفنته دب فيه الصدأ، ولم تفلح محاولاتها في صقله وإعادة بريقه من جديد، فالقصة هنا اسقاط مناسب على واقع الإنسان الذي يتشبث بالماضي ويحاول المحافظة عليه بهذه الطريقة التي فعلتها (أم علي) في قصة (مدافن السيوف).
من هنا نخلص الى القول بأن الكاتب سمير النحيلي برع في كتابة القصة الحكائية في وقت استطاع به المحافظة على بناء اللغة وسلامة الفكرة وهو ما جعل النص يصل الى القارئ بسهولة.
إيماءة
* مدافن السيوف (مجموعة قصصية)
* سمير النحيلي
* دار علاء الدين دمشق 2003م
* اللوحة الخارجية للمجموعة للفنانة (خلود المفرج).
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|