| رسالة لكاتب مازال يبدأ..
|
نحتاج في العالم هذا إلى البناء بعد أن ساد الهدم بكافة لهجاته ليس لغاته فحسب. في الملاحظ أن الهدم سمة للكتابة الجديدة، فبينما يسعى الكاتب إلى البروز أو إلى التحديث يتأبط منطق النقض. على الظن بأنه أقصر الطرق إلى القراء، أو إلى التأثير والتغيير، وهو كذلك، لكن لبرهة وجيزة، وبعدها يبدأ القراء مشوار التساؤل عن الدور الذي يمثله فعل الكتابة بالنسبة إليهم، ويستمر التساؤل.
الكتابة الجديدة قد تبتلى بمتلازمة الحسم والهدم معا، إذ يبدو الكاتب وكأنه الخبير العليم بكل شيء، ويتملص من مفردات الظن ودوال التواضع، وتطبيقات النسبية، ولا ينطق بها، وقد يظن بها ظن السوء. حين تفتح المجتمع السعودي على شيء من النشر الفكري الجريء، بدا ذلك كلون من السخط الكامن في النفوس عند البعض، ولعله نتيجة لفهم مغلوط للحاجة النقدية، أو كردة فعل للمكبوت.
الحاجة للهدم طبيعية، لكنها نسبية ووقتية أيضاً ومرحلية، فعندما يقاس الفكر بالأشياء يتضح لمن يمارس الهدم أنه لابد أن يَعِد بالبناء ويعدَّ له، وأن تكون وعوده صادقة، وأن يكون بناؤه قابلا للبقاء ومجديا، وهكذا هي كفة التوازن الطبيعي المقنع بجدوى التفكير الحر.
ممارسة الترميم أيضا بلغة المخطوطات وإيحائها ممارسة بنائية. وأيضا التقنين بلغة الطب البديل وإيحائها مرة أخرى هو خطوة بنائية بعد خطوة البداية.
الواقع أن كثيراً ممن يمارسون ذلك الجانب السلبي من النقد الثقافي بإمكانهم أن يركزوا على الجانب الإيجابي في كل شيء. ومن الشرعي أن يتساءل القارئ بعد تشككه في قيمة المألوف والنمطي والسلطوي: ألا نجد في تاريخ الفكر العربي أي ممارسات إيجابية عند كل ذلك الجمع من العلماء والفقهاء والسلاطين الذين سلطت على رقابهم أقلام النقد التفكيكي أو الثقافي؟ ماذا لو نظرنا إلى إيجابيات المناهج والمدارس الفكرية والفقهية، بل والمؤسساتية السائدة، بالقراءة التي نحبذها. نحتاج في ظل العولمة لذلك النمط من النقد الهادم الباني، في قراءة الآخر، هو لديه سلبيات أيضا، وهو قادم بقوة تسعى العولمة لإلغاء (الهُوَ) في مقابل (النحْن). فأي شيء يمكن أن يقدمه لنا نقد ما بعد الحداثة، مثلا، باعتباره ردة حداثية كبرى من وجهة نظر البعض لنوظف مقولة ابن مسعود رضي الله عنه: السعيد من وُعظ بغيره.
د.محمد بن عبدالرحمن الخراز
*أستاذ البلاغة والنقد المشارك القصيم
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
| 
