من قديم أوراق الأديب الراحل عبدالله بن إبراهيم الجلهم رحمه الله أعدها للنشر أ.د. عبدالكريم الأسعد الأدب في ذبول...!!
|
الحياةُ العربيةُ العامةُ اليوم تتهاوى في وادٍ سحيقٍ من المشكلات الراهنة التي تجعلها في منأى بعيدٍ عن تأريخها الأدبي أو تراثها القومي، لأنها منشغلة ومتشاغلة في شؤونها السياسية والمادية على وجه التحديد دون غيرها من الشؤون القومية الأخرى.. ولعلّ لها عذراً بهذا الانشغال والتاريخ يلومها ولا يغتفر لها صدودها لأن في دنيا العرب هزّاتٍ عميقة لم تدع مجالاً ولا وقتاً تعود فيهما إلى نفسها فتراجع مجدها وقيمها ومواريثها وتخطط لحاضرها ومستقبلها..!!
والذين يهتمون بالحياة الأدبية يدركون جيداً بأن الحياةَ السياسية الحاضرة قد طغت على غيرها، وصرفت الأنظار والمسامع والمواهب نحوها دون سواها وأنّ أولئك المتحمسين للشؤون الأدبية قد أصبحوا قلة قليلة لا حول لها ولا طول سوى تلك الآهات اليائسة التي يطلقونها بين آونةٍ وأخرى للتنفيس عن مشاعرهم وآلامِهم أمام جثمان الأدب المسجى بينهم..!!
قد يقول المتفائلون بأن هناك ومضاتٍ أدبية تنطلق بين حين وآخر من على منبر بعض المطبوعات تحمل تجسيداً وئيداً للحركة الأدبية وتجديداً وصحوةً ناعسةً لمنامها.. ولكنّ الواقع الملموس يؤكد للباحثين في هذا المجال أن ذلك الوميض على خفوته وضعفه لا يشعله سوى فئةٍ قليلة من الشباب الشداة الذين باركهم الله يرتقون أولى درجات السلم الطويل للحياة الأدبية المهجورة... أما أولئك الشيوخ متّعهم الله بالصحة الأدبية أولئك الذين كانت لهم في ميدان الأدب جولاتٌ ومنازلاتٌ ووقفاتٌ صحية فإن الميدان الأدبي الواله قد خلا منهم وافتقد مجالستهم ومسامراتهم ودويَّ أقلامهم..!!
ولئن ساغ للمتخلفين عن مسيرة الأدب قعودهم وإعراضهم عنه فيما مضى من الزمان لأسباب كما يقول الفقهاء اجتماعيةٍ أو سياسيةٍ أو اقتصاديةٍ وإدارية فإنه لا يسوغ لهم هذا التقاعس في العهد الحضاري والعلمي والإعلامي الجديد... هذا العهد الذي يتسم بيقظة الوعي وبتطور وتعدد وسائل النشرِ والبحثِ والطباعةِ والتثقيف.. لذلك كان على الأديب والكاتب أن يعودا إلى الميدان بسلامة الله وأمانه ليؤديا رسالة الأدب نحو الحياة والمجتمع.. وإنها لرسالةٌ جليلة تحمل العطاء والوفاء والتضحية، وتمنح الوجود الإنساني الذي تصل إليه روحاً ومعنى للحياة التي يعيشونها لا موقع فيه للتجهيل والتعمية وفقدان الثقة والذات..
ومِن قَبْل، وصف رسالة الأدب ودوره في الحياة، أحد الأدباء المخلصين للأدب والبارزين في ميدانه وهو الأستاذ المرحوم: (عباس محمود العقّاد) بقوله:
...(إن رسالة الكاتب إنسانية.. وهي تلك الحقيقة الجوهرية التي ينطوي عليها ذلك الكائن البشري على الأرض.. حقيقة التسامي بالحياة إلى مستوى أرفع...)
ومن هذا المفهوم الأدبي الواسع تتبدّى حقيقةُ الرسالة الأدبية في خدمة الحياة والمجتمع، من حيث هي رسالةٌ إنسانيةٌ واجتماعية تستجلب الاشراقة الذاتية والتسامي والرغد وسلامة التفكير والتخطيط والسلوك في مناهج الحياة...
أما المشكلاتُ السياسيةُ والقضايا المصيريةُ الأخرى فيجب أن تسخّر في خدمة الأدب وتنميته ودفعه إلى الحركة والتأثير والإعلام لأنه اللسان البليغ والمنبر الشريف الذي يعبر عن المجتمع والحياة ويترجم مشاعرها ويحقق طموحها ومتطلباتها ومأمولاتها..
وبعد : فعودة أيتها الأقلامُ والمواهبُ النائمة إلى الميدان الخاوي الأسيف فإنه يرنو بشوقٍ ولوعة إلى الملتقى.. ويرمق بجفنيه المسهدين ويهفو نحو ضياء العارفين وإشراقاتهم وعطاء خواطرهم وأقلامهم.. فما الحياة سوى عطاءٍ وفيضٍ وحبٍ عميقٍ..
عبدالله إبراهيم الجلهم
الرياض 1381392هـ
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|