الساحة التشكيلية تودّع أحد مبدعيها خالد العبدان يرحل تاركاً مكانه ومكانته في قلوب رفاق دربه التشكيليين
|
* الثقافية محمد المنيف:
من المؤسف أننا نستبعد لحظة الموت ومن المؤسف ألا نعطي كل ذي حق حقه وهو حي قبل أن تأتي لحظة الوداع فلا نجد مبرراً للتقصير ثم الاعتذاروكم هو مؤلم أن يفارقك من كان يسعى ليكون قريباً منك بمشاعره وحبه ويضفي عليك كرمه وإخلاصه وكم هي الدنيا صغيرة والعمر فيها محسوب بما لا نستطيع أن نعيه ونأخذ الحيطة والاستعداد لخاتمته التي نؤمن بها ونوقن بأنها حق وان علينا أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحل قبل أيام الفنان التشكيلي خالد العبدان.
زميل وحبيب وصديق لكل فنان على ارض الوطن قد لا يعرفه حق المعرفة الا من هم في عمره ممن عايشوه وتعايشوا معه من عامة الأحبة ومن التشكيليين على وجه الخصوص، رفاق دربه ممن خطوا أولى خطواتهم في بناء حركة تشكيلية فتحت له ولهم ولكل مبدع في هذا الوطن أبوابها وطرقها وسبل العطاء فيها فكان رحمه الله ممن أسهموا في وضع لبناتها الأولى .
عرفته زميلاً في معهد التربية الفنية ما بين عامي 92 و93 هـ كنت سبقته بالتحاقي بالمعهد وأدهشني وأدهش بإبداعه من سبقوه، كان رحمه الله شعلة متقدة من العطاء وكان معلماً للكثير ممن كانوا معه رغم صغر سنه فهو منذ البداية موهوب بمعنى الكلمة تنوعت لديه كل سبل التعبير وتمكن من مختلف أدوات التقنية والتنفيذ. تخرّج في المعهد بامتياز وسافر لتحصيله العالي في ايطاليا مبتعثا من وزارة الإعلام فلفت أنظار الجميع واختصر المسافة وسابق الزمن فتخرّج قبل موعده تقديرا لتميزه.
عاد إلى الوطن وأعاد معه كل ما حمله من انتماء وعشق للأرض والأهل دون أن يمس تلك الأمانة أو يغيرها ريح أو موجة من فكر أو تبدل في قيم أو عادات.
عاد ممتلئا حماساً ومكتنزاً قدرات وإمكانيات فوضع له مكانا ومكانة في مسير الفن التشكيلي بأعمال غمس من اجل رسمها فرشاته في تراب الوطن وبللها بنداه واستلهم ألوانها من صباحاته الجميلة.
تنقل كالفراشة بين ازاهير العمل بدأها بديكور التلفزيون ثم انتقل الى الحرس الوطني وبين هذا وذاك اقتطع من مساحة عمره فترة تفرغ فيها للإبداع فأنجز الكثير من اللوحات وشارك في العديد من المعارض المحلية والدولية علاقته مع منسوبي الساحة لا يحدها حدود مع أن اغلبها مع رواد هذا الفن والأوائل فيه باعتباره من جيلهم.
حقق الكثير وسطره في سيرته الذاتية التي ستبقى دوما نبراسا ومنارة تضيء دربه وتعيد ذكراه الجميلة بجمال وصدق روحه فالفنان الراحل من مواليد الرياض عام 1371ه من أعضاء جمعية الثقافة والفنون المؤسسين يحمل دبلوم الفنون الجميلة من أكاديمية الفنون الجميلة بروما ايطاليا عمل رئيسا للجنة الفنون التشكيلية عام 1395ه عمل مهندسا للديكور بتلفزيون الرياض تفرغ للعمل التشكيلي ثم عاد للعمل الحكومي بالحرس الوطني وحتى وفاته رحمه الله له حضور متميز ومساهمات فعالة في الفنون التشكيلية السعودية شارك في أكثر من عشرين مناسبة تشكيلية دولية ومثّل المملكة في العديد منها عضو في اتحاد الفنانين العرب له مقتنيات في العديد من المؤسسات الحكومية والأفراد وحاصل على العديد من شهادات التقدير.
كان رحمه الله طيب المعشر كريماً في كل شيء ابتسامته تسابق كل عبارة أو جملة ينثرها في دروب الحياة ماسحا بها كثيراً مما كان يعانيه من هموم الدنيا محطما بها كل عائق ومبقيا الأمل جسرا بينه وبين كل لحظة فرح أهداها لمن يحب.
لم أكن أتوقع أن يأتيني الخبر بهذه السرعة مع رضائي وإيماني بالله عز وجل فما بين وفاته وبين اخر حديث لي معه أيام قليلة جدا كان فيها رحمه الله معاتبا على عدم زيارتي لمرسمه ومطالبا أن أجد الفرصة لمشاهدة آخر إنتاجه.. كانت كلماته تتزاحم والعبارات تتوالد لتشكل وصفاً رائعاً لأعماله الجديدة فرحا كالطفل ومزهوا كما يستحق وكما يجب أن يكون عليه المبدع وكما يعرفه الجميع كنت لحظتها استبق الصورة واسترجع ما قدمه من أعمال وأتوقع ما يمكن أن يقدمه من جديد لن يكون اقل مما انجزه في السابق بقدر ما اجزم أن فيه قفزة نحو التميز والتفرد.
كان الحديث يلتهم الدقائق ويقتل فينا الرتابة بتنقلنا فيه من موضوع إلى آخر كان رحمه الله في كل نقلة يضيف فكرة ويفتح بابا من أبواب اشراقات المستقبل كان رحمه الله يكشف الكثير من خططه المستقبلية وآماله في أن يجد الوقت لعرض أعماله الكثيرة، تحدث لي رحمه الله عن أماكن تواجد لوحاته المقتناة من رجال أعمال ومسئولين إضافة إلى الكثير منها في مرسمه، ومع هذا كنت أكثر شوقا لتلك الزيارة وكنت أمد حبال الأمل في قادم الأيام وكنت أعده بالاتفاق مع ابن عمه الزميل بدر العبدان كشاهد على أن يتم اللقاء ولهذا كانت خاتمة تلك المكالمة الأخيرة بيني وبينه بضحكته المعروفة القادمة من الأعماق دون تكلف أو مجاملة مؤطرة بتسامح الأوفياء تجاه من كان مقصراً معه فهي من شيم أهل الأخلاق الكريمة وبعبارات لن أنساها أكد فيها ما كان يكنه لي من حب صادق وإعجاب مضيفا لها كلمات أحس أنها أصبحت وصية تجاه الفن والزملاء وعن الصفحات التشكيلية ومدى متابعته لها وكيف يراها. رحل الفنان خالد العبدان كما رحل كل الأحبة في طريق سنسلكه من بعدهم فهم السابقون ونحن اللاحقون رحل بعد أن أبقى لنا ذكرى عطرة وأبناء وبنات وأحفاداً يذكروننا به ويحملون اسمه كما خلّف وراءه إرثا تشكيليا نتمنى أن يجد من يعتني به وان يضعه في مكانه.رحمك الله يا ابا عبد الله وسامحنا على تقصيرنا تجاهك.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|