مساقات د. عبد الله الفَيْفي*
|
أمّا السؤال الثاني الذي وضعته وزارة التربية والتعليم لاختبار إتمام المرحلة الثانوية للعام الدراسي 1425- 1426هـ (قسم العلوم الطبيعية والإداريّة) في مادة (الأدب العربي)، فيبدأ بقول طاهر زمخشري، رحمه الله:
دع المودّات إن الودّ إغراءُ
فصاحب اليوم في دنياك حرباءُ
وهكذا، فالسؤال الأول يستهل ب: (أصنام)، كما رأينا في المساق الماضي، والسؤال الثاني ب:(حرباء)، وبينهما ما الله به عليم! على طريقة: (شاطر ومشطور وبينهما كامخ)!
ويأتي السؤال الثالث: قال محمّد بن عثيمين، رحمه الله:
...
وأظن القارئ سيعرف تلقائيًّا القصيدة؛ لأنها ما زالت في مناهجنا منذ عشرات السنين، وكأن الله ما خلق غيرها، حتى للشاعر نفسه! وكأن الشعراء قد انقرضوا في العصر الحديث، بل والقديم أيضًا، فانحصر النتاج الأدبي في حقبة ابن عثيمين، رحمه الله، وفي قصيدته العصماء المكرورة! حفظها أساتذتنا، وحفظّونا إيّاها صغارًا، ونحفّظها اليوم أبناءنا، وسوف يحفّظها أبناؤنا لأبنائهم، وهكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها:
ومشمعلّ أخو عزم يشيّعه
قلبٌ صروم إذا ما هَمّ لم يهبِ
والمطلوب سرد أبيات من القصيدة، بعد هذا البيت (المشمعلّ)!
أنا لا أدري، إذا كُنّا فعلاً ضدّ الأصنام، ونحفّظ طلابنا قول أحمد محرم السابق ذكره في الحلقة الماضية:
العاكفون على الأصنام أضحكهم
أن الهوان على أصنامهم عكفا
كما جاء في سؤال الوزارة الأول: لماذا نصنّم الأعلام والنصوص ونعكف عليها قرونًا؟ فمهما بلغتْ تلك النماذج في نظرنا، روعة وجمالاً، ومهما حملت من مضامين قيّمة، أفلا ينبو ذوقنا (الفطري) عن ديدن الاجترار الذي لا يرضَى التغيير، حتى في دائرة النموذج نفسه.
أما الفقرة ب من السؤال: فقال أحمد محمد جمال، رحمه الله:
(كم أفسدت وتفسد على الإنسان وعلى الجماعة الإنسانية صوالح الحياة...).
والمطلوب الإجابة: عمّ يتحدث الكاتب؟ ولكن قبل أن يعرف الطالب عمّ يتحدث الكاتب، ويستذكر ذلك الموضوع البالغ الأهمية الذي تحدث عنه الكاتب - والذي قد يقرّر مصيره، وقد يعرّضه لعدم ولوج الجامعة؛ لأنه لم يعرف عمّ يتحدث الكاتب، من خلال تلك العبارة المتطابقة، وهو لا مناص له من أن يعرف، وإلا ضاع مستقبلُه! - قبل ذلك كله يجب أن نعرف جميعًا: ما معنى (صوالح الحياة) تلك؟! ومن أين يأتي هؤلاء بمثل هذا الكلام؟!
أعان الله طلابنا وطالباتنا على تجرّع تلك النصوص، وكدّهم للإجابة عن أسئلتها! وهُم، بلا شك، يتجرّعون ما لا يسيغون، صابرين محتسبين، كالببغاوات!
أمّا ما يجنونه، فلا يعدو حصرم الأفكار، والآفاق المنغلقة، والذوق البليد، والسكنى في شرانق الماضي القريب أو البعيد.
هذا، وإنّ من يطالع كتاب الأدب المقرّر على المرحلة الثانوية (الفصل الدراسي الثاني) ليذهل من تكييفه بطريقة يظهر معها العنوان (الأدب العربي) في وادٍ والمحتوى في وادٍ آخر. مستهلاً الكتاب بما سُمّي أدب الدعوة الإسلامية، ولو قيل (الإصلاح الديني) لكان أوجه، أمّا مصطلح (الدعوة الإسلامية) فغير المسلمين به أولى. لكنها عبارات لم نعد نفكّر فيها، على كل حال.
وتتردّد في تضاعيف هذا الباب من الكتاب، بمناسبة وبدون مناسبة، أسماء سيد قطب، وحسن البنا، ومحمد بن عبد الوهاب.
ثم ينتقل المنهج إلى (نماذج من أدب الدعوة الإسلامية في العصر الحديث)، وفيه ما يلي: أولاً: من الشعر: (فتح مكة) لأحمد محرم؛ (محنة العالم الإسلامي)، لمحمود غنيم؛ (صوت من حراء)، لإبراهيم فطاني؛ (وصايا وإرشادات)، للشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ (يا شباب العرب)، لمصطفى صادق الرافعي؛ (منهجٌ للبشر)، لسيد قطب. وبذلك ينتهي نصف الكتاب.
حتى إذا جاء النصف الثاني، عُنون ب(الأدب الحديث في المملكة العربية السعودية - المرحلة الأولى منذ بدء الدعوة حتى تأسيس المملكة). والمرحلة الثانية: (من تأسيس المملكة حتى أيامنا الحاضرة).
وتحت كلمة (حديث) و(أيامنا الحاضرة) هنا يجب أن نضع عدة خطوط، لأن ما يشير إليه العنوان لا وجود له تحته! ففي الشعر نجد هذه الأسماء: ابن عثيمين، وأحمد الغزاوي، وفؤاد الخطيب، وعلي حافظ، ومحمد حسن عواد، ومحمد حسن فقي، وطاهر زمخشري، وحسن عبدالله القرشي، وحمزة شحاتة، وأحمد قنديل، ومن جايل هؤلاء، رحمة الله على الجميع.
ومعظم هؤلاء بدورهم، باستثناء الأول، إنما يشار إلى أسمائهم فقط، ولا تُذكر نصوصهم، إلا ما ندر، ووافق ديدن الكتاب.
* كما في الكتاب؛ حامد دمنهوري؛ أحمد عبد الغفور عطار؛ حسين سرحان.. رحمهم الله تعالى، ورحم أدبهم، وأدبنا الحديث في المملكة العربية السعودية، (من تأسيس المملكة حتى أيامنا الحاضرة)، حسب المنهج المذكور؛ ذلك أنه في نظر ذلك المنهج قد توفي الأدب في المملكة بوفاة أصحاب تلك النصوص، أو بالأصح قد لحق واضعو المنهج أنفسهم بأصحاب ذلك الأدب إلى الرفيق الأعلى، إلا أنهم يريدون أن يقنعونا- وإنْ غصبًا - بأن هذا هو الأدب القائم، (حتى أيامنا الحاضرة).
فإذا وصل الطالب في كتابه - المخلّط منهاجًا، المضطرب ترتيبًا - إلى (نماذج من الأدب السعودي)، أعادوه إلى ابن عثيمين وقصيدته كَرَّة أخرى:
العزّ والمجد في الهندية القضبِ
لا في الرسائل والتنميق للخطبِ
مع طائفة من ذلك الجيل من الشعراء التقليديين، والناثرين القدماء، ممّن يصرّ واضعو الكتاب على أنهم ما زالوا أحياء، ويرونهم، أو بعضهم، يمثّلون أدبنا الحديث في المملكة العربية السعودية: (من تأسيس المملكة حتى أيامنا الحاضرة).. لا مشارك لهم، لا معهم، ولا بعدهم!
ويعلم الله وحده كم من حقبٍ ستنقضي، ودهورٍ ستتصرم، و(أيامنا الحاضرة) تلك ما انفكّت هكذا عالقة في: (الهنديّة القُضُب)!
* عضو مجلس الشورى
- أستاذ الأدب والنقد بجامعة الملك سعود
aalfaify@hotmail.com
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|