المجلة الثقافية: إصدارنا الرابع
|
عندما بدأنا بـ «مجلة الجزيرة» كأول إصدار إضافي لصحيفة «الجزيرة» يُقدم للقراء هدية منها، لم تكن دراساتنا تشير إلى أن هذه المجلة الاسبوعية سوف تكون موعودة بأن تحقق كل هذه المساحة الكبيرة من اهتمام القراء في شهورها الأولى..
لكن وعندما تبين لنا بعد شهور من صدورها تحفظ دراساتنا المسبقة في تقدير النجاح المنتظر لها، بناء على ما ظهر لاحقاً من نتائج اختصرتها لنا المؤشرات التسويقية وبالاعتماد على رصد أمين لهذا الاصدار ما كان منه سلباً أو ايجاباً للتعرف على وجهات النظر المتباينة بين متلقيه..
أقول، إننا في ضوء هذه المعلومة الصغيرة وبما أعطته لنا من نتائج، قد حفزتنا إلى أخذ القرار الجديد والصحيح بإصدار مجلة أخرى تخاطب جيل«الانترنت» تفاعلاً مع ثورة الاتصالات واستثماراً لها، مسبوقة بدراسات ربما أنها كانت أقل تحفظاً وأقرب إلى الواقع من سابقتها، مصحوبة بشيء من التفاؤل في أن تكون «مجلة العالم الرقمي» اضافة جديدة إلى نجاحات كانت المجلة الاولى قد حققتها..
وأعترف، أن نشوة الفرح والحماسة اللذين استقبلنا بهما نجاح الإصدارين، وما ظهرت به «مجلة الجزيرة» ثم «مجلة العالم الرقمي» من تميز مهني غير مسبوق، قد شجعانا لان نسرع في تقديم الهدية الثالثة للقراء وهي «مجلة الإصدار الدولي»، وهي مجلة تعتمد في مادتها على انتقاء أهم الكتب العالمية واختيار أفضل الدراسات الدولية مع اهتمام خاص بالافتتاحيات والندوات وكل ما ينشر في الصحف العالمية، ونشرها بعد ترجمتها لتمكين القارىء من الاطلاع والإلمام والمتابعة بما يدور في العالم.
***
وبهذا الجهد، أصبح القارىء في أيام السبت والأحد والثلاثاء، من كل أسبوع، يقتني«الجزيرة» مع إحدى المجلات الاسبوعية «مجلة الجزيرة» أو «مجلة الإصدار الدولي» أو «مجلة العالم الرقمي» ضمن ما تقدمه صحيفة «الجزيرة» من خدمة صحفية يحاول الزملاء من خلالها أن يلبوا رغباته ويستجيبوا لكل ما يطالب به وينتظره منهم..
ولان القارىء هو الحكم وهو المستهدف«تحديداً» في كل جهد يبذل هنا، فقد كان كريماً وسخياً معنا بما قرأناه له وسمعناه منه عن هذه الاصدارات، ثناء حيناً وملاحظات قيمة أحياناً أخرى، بما أفادنا في تلمس الطريق الصحيح للعمل الاصح..
ومن غير المناسب أن أتجاهل هذا النمو في توزيع «الجزيرة» الذي صاحب وثباتها، لاخلص منه إلى أن سببه في جزء كبير منه يعود إلى القارىء«النخبوي» بتجاوبه وتفاعله وتقديره لخطواتنا التطويرية، والتزامه وقناعته بشعاره وشعارنا «الجزيرة تكفيك» بوصفه شريكاً معنا في النجاح الذي تحقق، ومازلنا نعوّل عليه في النجاحات المستقبلية إن شاء الله.
***
واليوم هو الاثنين، تذكروا انه منتصف هذا الاسبوع وكل اسبوع.. وقد اخترناه لكم من بين كل الايام موعداً لكم معنا في سياحة صحفية تليق بكم..
لنقرئكم فيه مجلة أسبوعية جديدة، ولكنها هذه المرة عن الثقافة وللمثقفين..
ونحن نرى في قراء «الجزيرة» أنهم جميعاً ودون استثناء يمثلون رقماً مهماً في مجموعة الطبقة المثقفة والملمة بكل ألوان الطيف الثقافي..
ومجلتكم الجديدة من حيث زمن الصدور تعد الرابعة التي تصدر عن صحيفة«الجزيرة» في غضون عشرة أشهر..
لكنها من حيث وثبات التطور زمنياً يأتي ترتيبها الخامس، وهي من حيث الاهمية في الترتيب الاول كباقي الوثبات..
وبالنتيجة، فإن هذا العمل الجديد أمكن انجازه في الوقت المناسب ضمن منظومة طويلة من الاعمال الصحفية الكبيرة والمتواصلة التي وعدنا بها القراء، وبصدور«المجلة الثقافية» سيكون القارىء إذاً على موعد يوم السبت مع مجلة«الاصدار الدولي» ويوم الاحد مع مجلة «العالم الرقمي» ويوم الاثنين مع «المجلة الثقافية» ويوم الثلاثاء مع «مجلة الجزيرة» وهناك خطوات متسارعة لانجازات أخرى.
***
بقي لي، أن أنوه بالجهد الكبير والرائع لزميلي الإعلامي اللامع «إبراهيم التركي» مدير التحرير للشؤون الثقافية وللزملاء المبدعين أسرة تحرير هذه المجلة، لانجازهم هذه المجلة على النحو الذي ترون..
وأنا على يقين بأن طرحاً مميزاً كهذا الذي تطالعونه في العدد الاول من المجلة الثقافية سوف يرضي الكثيرين منكم، وفي مقابل ذلك فإن ملاحظات ووجهات نظر وآراء أخرى لن تكون المجلة في غنى عن سماعها، بل من الضروري أن تقال وبصوت عال ومسموع للوصول إلى الكمال الذي قد لايتحقق وإن حاولنا..
فالثقافة كما هو معروف مجموعة معارف وباقة علوم، وإذا كانت مجامع اللغة وأهل الاختصاص لم يتفقوا ولم يتوصلوا بعد على تعريف مانع جامع لهذه المفردة، فلابأس أن تتباين وجهات النظر حول طرح ثقافي كهذا الذي يصدر على شكل مجلة تُعنى بالثقافة وبإسمها الشامل المجلة الثقافية، مع يقيني بأن الأفكار سوف تتلاقى في النهاية لتقديم ربما ما يتفق الجميع عليه.
|
|
|
جدلية المكان والزمان والإنسان في الرواية الخليجية تأليف عبدالحميد المحادين، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2001م، 347 صفحة
|
لا تنطوي دراسات المكان في الإبداعات الأدبية على مغامرة كبيرة، لان المكان يتخلق مع هذه الاعمال، ويتشكل في امشاجها الدقيقة، ولأن المكان أهم ما ينتظم العناصر الإبداعية، ويشكل منظما لا يمكن الابتعاد عن تأثيره، لاسيما في الاعمال الروائية، فالزمان والشخوص والسمات السيكولوجية لهذه الشخوص، مظاهر لا تتجلى ولا تتحرك إلا داخل المكان، والرواية نص مكاني امتياز، لقد التفت الدارسون إلى المكان باعتباره مدخلا استراتيجيا للتعامل مع النصوص، والبحث في الدلالات المعمقة للحضور المكاني وصفا، أو الحضور المكاني في لغة الإنزياحات والمجازات التي تقود بالضرورة الى شيء من الدلالة على شعرية المكان إن الأمكنة ليست متشابهة في التعاقب العمودي، بل هي مرشحة للتغيرات المستمرة، وتتغير معها طبيعة تأثيرها والتأثر بها، وتتفاوت سطوة المكان على الإنسان تفاوتا كميا ونوعيا، ومن هنا اكتسبت الأماكن في علاقاتها مع أناسها خصوصية تشكلت من تعاقب التفاعل وتبادل التأثير بين الناس والأمكنة، حتى صارت تلك الآثار جزءا من الوعي العام للإنسان في ذلك المكان، بهذه الطروحات يقودنا المؤلف إلى البحث عن أثر المكان الخليجي في الرواية الخليجية، لأن الرواية كما يرى بحكم طبيعتها الفنية هي المرشحة للكشف عن ابعاد العلاقة بين الإنسان في الخليج والمكان، وتجلياتها في الوعي الإنساني والإبداع الأدبي.
ظهرت الرواية في الخليج، كفن مستقل وبشكل ناضج في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، وهي مسبوقة بروايات شبه تاريخية، ولعل تأخر ظهور الرواية في الخليج يرجع إلى طبيعة التطور الاجتماعي ولدى نمو الطبقة المتوسطة، ونهوضها بتحديث المجتمع، وتغير البنية الاجتماعية القديمة، ولتململ التركيبة الاجتماعية بفعل عوامل الاقتصاد والتطور الثقافي، بدأت الرواية تظهر وتعبر عن الواقع وتطوراته، يقول المؤلف: (صحيح أن المدن الخليجية بدأت تتحول إلى مدن عصرية وبدأت التحولات الاجتماعية تنتج أدبها في ذات وقت تحولها، ولعل انفجار النفط بالكيفية التي انفجر بها سارع بتطوير البنية الاجتماعية والمدنية في الخليج وبشكل سريع وطفروي، إن بطء تشكل الرواية في الخليج، يعبر عن بطء التطور في فترات ما قبل النفط، لكن بعد أن تفجر النفط، وأخذ التطور يحدث بشكل واضح بدأت التربة الصالحة لنبتة الرواية تتسع..) ويرى المؤلف أن المدن الخليجية كانت جزءا اساسيا من مجتمع الغوص والبحر، وتتأثر بأطراف الصحراء، لذا كان الناس مطبوعين بهذا الطابع عشرات السنين، حتى صار المكان هو المسيطر على السكان، ولكن حين تفجر النفط وتخلخلت البنية الاقتصادية البحرية وصارت الحياة مختلفة، بدأت العلاقات الاجتماعية تتغير وبدأت ملامح المجتمع المديني، مجتمع الرواية، تبرز وتتشكل، وقد تشكلت الرواية الخليجية على خلفية القصة القصيرة، بدأت الروايات تتجه إلى البحر موضوعا لها، ومع تشكل المدن ظل البحر حاضرا في الذاكرة الخليجية وعندما بدأت إرهاصات الرواية، ثم الرواية الناضجة، كانت تستند في أكثر الأحوال على البحر والصحراء والمدينة فضاء لها، وبدأت الرواية الخليجية تنبثق من هذا المثلث الفضائي مع التفاصيل التي تقع في كل فضاء فيها، الرحلات، السفن، الغوص، القوافل، المدن والعمالة والبيوت، والقرى وتحولاتها وتطورتها، كل هذا صار مهادا فضائيا لأمكنة تستند عليه الروايات الخليجية، بقدر حجم معاناة الإنسان فيها وبدأت تظهر تناقضات في هذه الفضاءات: القديم، الحديث البحر، المدينة التخلف والتقدم. بدأت الروايات الخليجية في التشكل في منتصف القرن العشرين، ولعل أكثرها ظهورا كان في المملكة العربية السعودية تليها الكويت ثم البحرين، وقد شكلت الرواية مساحة واسعة في الإبداع الخليجي، وتنوعت الروايات في موضوعاتها وتقنياتها، وتعددت توجهاتها. وقد ركزت هذه الدراسة الاستقرائية، على المكان في الرواية الخليجية، من خلال عدة نماذج من تلك الروايات، تناولتها الفصول التالية:
الفصل الأول: هو المكان المفتوح في الرواية الخليجية، ويتناول البحر، الصحراء، المدينة.
الفصل الثاني: ويتناول علاقة المكان بالزمان، وهي علاقة تشكل سمة للمكان متعالقة بالزمان، فهناك أمكنة تاريخية حديثة وأمكنة تاريخية قديمة، وأمكنة ذات زمان لا مرجعية ولا تحديد لها.. هي الأمكنة الأسطورية.
الفصل الثالث: يتناول المكان والإنسان، فالناس بحسب الأمكنة أنماط مختلفة، وتؤثر الأمكنة في المتمكنين داخلها، وهذا الفصل يتناول أنماط الناس داخل الأمكنة الخليجية.
الفصل الرابع: ويتناول العناوين المكانية والعتبات المكانية في الرواية الخليجية، وهي مداخل مرتبطة بهدف الدراسة، حيث تغطي الدراسة المكان، والمكان والزمان، والمكان والإنسان وشيئا من عتبات الرواية الخليجية المكانية.
وقد ألحق المؤلف بدراسته ببليوغرافيا للرواية الخليجية، والجدير بالذكر ان المؤلف نال بهذه الدراسة درجة الدكتوراه في النقد الأدبي.
|
|
|
|