أيُّها الشاعر الذي آثر الصم |
ت وهجر القريض هجراً طويلا |
آن أن ترجع الأمور إلى سا |
لف عهدٍ وليس ذا مستحيلا |
قد هجرتُ القريض عشرين عاماً |
وإذا شئتَ زِدْ عليها قليلا |
ثم عاودتُ بعدُ نظم القوافي |
في ظروفٍ لا تقبل التأجيلا |
عندما ودّع الأحبةَ (سعدٌ)(1) |
وبكينا عليه والصبرُ عيلا |
واستمرتْ مسيرتي رغم أني |
كنتُ ألقى بالعَوْدِ عبئاً ثقيلا |
وإذا قلتُ: قد كفاني هراء |
وكلاماً فحواه قال وقيلا |
جاءني الرد: وهو قول صحيح |
ليس كلُّ الذي يُقال جميلا |
لستَ في هذه القضية بدعاً |
فاسلك الدرب واحترس أن تميلا |
كَثُرَ المدّعون للشعر لكن |
قلَّ منهم من يكرمون الخليلا(2) |
إنّ فيه لغواً وهذراً كثيراً |
وبياناً ضحلاً وفكراً ضئيلا |
كتبوا النثر ثم أسموه شعراً |
كيف يلقى هذا الكلام قبولا |
قد عرفنا الكلام شعراً ونثراً |
هكذا كان ثابتاً لن يزولا |
ولكلّ فروعه واضحات |
عَرَفَتْها الأجيالُ جيلا فجيلا |
ليس حتماً قَبولُ كلّ جديد |
لا يراعي ثوابتاً وأصولا |
إنما يُقبلُ الجديد إذا كان |
يفيد التحسين والتأصيلا |
*** |
لك في عالم الثقافة ذِكْرٌ |
قد تبوّأت منه ظلاً ظليلا |
عالَم النقد فيه أصبحتَ رمزاً |
وبِساحِ السباق مُهراً أصيلا |
ذا بيان إذا تكلّمتَ أبلغتَ |
وأقنعتَ حجةً ودليلا |
وإذا ما نشرتَ يوماً كتاباً |
أشْبَعَتْهُ رموزنا تحليلا |
وبهذا يزيد قدراً ونفعاً |
ويجوب البلاد عرضاً وطولا |
إنْ تكنْ قد مُنعتَ يوماً من النشر |
لأنْ قد سفّهتَ رأياً دخيلا |
وكأنّ الذي أتانا بهذا الرأي |
أضحى عن اليهود وكيلا |
سنّ أمراً من بعد ذلك قد خا |
لف فيه الحديث والتنزيلا |
منع العاملين من أن يصوموا |
أَتُراهُ مشرِّعاً أمْ رسولا |
ما عهدناك في المواقف إلا |
رابط الجأش لستَ نِكْساً ذليلا |
فأَعِدْ نشر ذلك النص حالاً |
وتوكل ولا تخف تعطيلا |
فلتعد يا أخي إلى ساحة الشعر |
وعرِّج على ابن إسماعيلا (3) |
قد مضت مدة ولم نستمع منه |
فهلاّ حاولته أن يقولا |
يرفضُ الشعرُ أن يظل حبيساً |
إن رأينا الغزال تغشى الخميلا |
ويشقُّ المكانَ جدولُ ماءٍ |
ويهبُّ النسيم رطباً عليلا |
فاصطحبه إلى مكان كهذا |
ثم راقبه وابدأ التسجيلا |
وكأني أراك قد غِرْتَ منه |
وبدأتَ التفكير شيئا قليلا |
وإذا بالغزال من دون قصد |
كشَفَتْ ستر وجهها المسدولا |
فبدت صنعة الإله تعالى |
مبسماً ساحراً وخداً أسيلا |
وجبيناً كنصف بدر تجلّى |
ليل إتمامه وطرفاً كحيلا |
وتوجهتما عيوناً وفكراً |
وتفجرتما قصيدا مهيلا |
فاذكراني ولا تقولا نسينا |
وادعُوَا لي عسى تُلاقي قبولا |
*** |
كان بيتٌ في (المِسْهِرِيّةِ)(4) يحكي |
عنك أيام كنتَ فيه نزيلا |
وكأني أراك في الدرب تمشي |
واسع الخطو مشرئباً نحيلا |
لابساً غترة وثوباً نظيفاً |
وسراويل فُصّلت تفصيلا |
وحذاء صنع (القِرارة)(5) يبقى |
سنوات مؤمناً مكفولا |
لا يضاهى في قوة وجمالٍ |
فهو في رتبة من الحسن أُولى |
حاملاً شنطة الدروس بعزمٍ |
وإلى البيت قد سلكت السبيلا |
فإذا ما دخلتَ في البيت ألفيتَ |
معين الحنان ترجو الوصولا |
ثم عانقتها بشوقٍ وأوسعتَ |
يديها ورأسها تقبيلا |
ودعت ربها دعاءً عريضاً |
أنْ تحوز النجاح والتبجيلا |
فاستجاب الإله دعوات أمّ |
حيث أصبحتَ في العيون جليلا |
كان هذا أيام في المعهد العلميِّ |
كنتَ المُبَرِّزَ المأمولا |
كنت بين الطلاب في غرفة الصف |
نبيهاً مؤدّباً ونبيلا |
لا تُرى في الحارات كالغير تلهو |
إنّما كنت للكتاب خليلا |
كنت تبدو على الدوام نظيفاً |
وحريصاً على الصلاة عجولا |
لم ترافق إلا ذكياً مُجدّا |
ولهذا فلم تصاحب كسولا |
واتخذت النظام في كلّ أمر |
ومن الوقت لا تُضيع فتيلا |
ولهذا فلا تزورُ صديقاً |
في الزيارات صرتَ جداً بخيلا |
هكذا أنت منذ كنتَ غلاماً |
ومحالٌ عن ثابت أنْ تحولا |
كلُّ ما قد ذكرته من صفات |
كان يبدو على النجاح دليلا |
ولهذا بلغتَ ما أنت فيه |
من عُلُوّ يستوجب التهليلا |
*** |
ذات يوم قال العثيمين(6) إني |
سوف آتيك والصديق الزميلا |
قلتُ أهلاً ومرحباً وفرحنا |
وقرعنا بعد العشاء الطبولا |
غير أني فُجئتُ في حين أتاني |
يحمل العذر مُقنعاً مقبولا |
قلت لا بد أن نجدد وعداً |
ولْنُقِم بيننا شهوداً عُدولا |
غير أني وجدتُ عرقوب حيًّا |
فأراني مزارعاً ونخيلا |
وأنا لا أزال أنتظر الوعد |
وأرجو الإله ألا يطولا |
إنْ تُرِدْ أن يكون يوم خميسٍ |
بُكرةً أو عشيةً أو أصيلا |
مع مجموعة من الصحب إني |
لستُ أرضى بالطيبين بديلا |
وإذا شئت فائتني أيَّ يوم |
غير أني أفضّل التعجيلا |
إنّ شخصاً للمَحْبِسَين رهيناً |
حاضرٌ لا يغيب إلا قليلا |
أين يمضي من كان مثلي كفيفاً |
وهو أيضاً على المعاش أُحيلا؟ |
قد دعوتُ لك الإله بأن تشربَ |
كأساً ممزوجةً زنجبيلا |
أو حليباً من دَرّ حمراءَ بِكْرٍ |
وحذارِ أن تشرب (البيبسي كولا) |
وأخيراً عذراً إذا كنتُ قصّر |
تُ فهذا طبعي وشكراً جزيلا |