ثائر هلال يسعى إلى مصالحة الكتلة بالفراغ على مسطح متناغم * الشارقة محمد المنيف:
|
قبل أن التقي بالفنان ثائر هلال في مرسمه بالشارقة كنت أحمل عنه في مختزلي المعرفي الكثير من إسهاماته ومنها إقامته معارض شخصية أو مشاركاته مع فنانين آخرين إضافة إلى ما منحت من معلومات اعتز بها من صديق الجميع وزميل دراسته الفنان تميم فرج المخرج للمجلة الثقافية بالجزيرة ومع هذا كله إلا أن اللقاء كشف الكثير عن فنان يعمل أكثر مما يتحدث مرهف الحس يمتلك قدرة على نقلك من عالمه الإبداعي الخاص نحو عوالم جمالية لها خصوصية في المضمون والتقنية ساهم بها في معارض متعددة وفي أمكنة مختلفة كسب بها إعجاب الكثير وفي مقدمتهم النقاد ومع أن طموحة و هاجسه لا يفارق اللوحة والفكرة إلا أنه ما منحاه الكثير من الجوائز من أبرزها جائزة بينالي الشارقة الثالث لعام 97م التي يراها الجميع وبما يتم القيام به من تحكيم عالمي للبينالي مقياساً حقيقياً لمدى تميز الفنان ثائر وتجاوزه حدود التوازي مع عطاءات الآخرين ممن دخلوا مضمار السباق التشكيلي .
عندما أقارن حديثه عن أعماله بما كتب عنها أجد أن أولئك الكتاب أو النقاد والمحللين لم يتجاوز حدود هذا الفنان بقدر ما حاموا حول الحمى مع أن البعض منهم لامس واقعة وحدد المسافة الكبيرة بينه وبين علاقته الحميمية بكل جزء من اللوحة فالفنان ثائر يرى ما لا يراه الآخرون مع استمتاعه بتأويلهم الذي يقترب أحياناً كثير من الحقيقة مع بقاء ما لا يمكن الولوج إليه عبر أجزاء لوحاته التي تشكل في إيحاءاتها حكايات منغمسة في أعماق الذاكرة متأصلة ومنتمية لعالمه الوجداني المفعم بالثقافة البصرية وبالقدرة الأكاديمية، فنان يمتلك وعي مدرك للفعل الإبداعي، يبحث عن سبل تأسيس فضاءات تنتمي وتنطلق من سياقها المكاني المباشر بمفردات شكلت لغة جمالية جعل منها جسراً يحمل نبضه وحدسه نحو المتلقي بكل بساطة وهدوء معمقاً بها قيمه الجمالية عبر سرد شاعري يبقي مضامين أعماله ولغته تلك في موقعها الآمن الذي يضمن لها الديمومة في ذاكرة المتلقي.
زيارة للمرسم
مع أن الوقت كان ضيقاً إذ لم تكن ظروفي تتيح لي أن أتعرف كثيراً عن عالمه الجميل دعاني إلى مرسمه الذي تمثله غرفة متواضعة في حجمها كبيرة في ما أنتج فيها من أعمال وما وجدته فيها أيضاً من لوحات تنتظر الإفراج عنها وعرضها في معارض جديدة كنت حريصاً على أن أشاهد تلك الأعمال عن قرب فكان لي ذلك مع ما تزودت به من إطلاع على عدد من الإصدارات إضافة إلى بعض الأعمال ذات الأحجام الصغيرة أحسست خلال تلك المشاهدات أن الفنان هلال أحال اللون إلى أداة موسيقية يعزف بها على اللوحة تاركا العنان بشاعرية تستنطق العناصر بلغة لونية تحتاج منا إلى أن نوغل في البحث بشكل أكثر هدوءاً وتمعن لقراءتها لنجتاز بها رمزيته المستخلصة من علاقته بمحيطه الماضي منه والحاضر تحركنا نحو الشعور بالتفاعل معها مع ما أحاطها به من خبرات مكنته من التعبير عن أنموذجه بأداء تخيلي قوامه اللون ومرجعيته ثقافة ورؤية بصرية يستفز ويحرض بها حواس المتلقي، دافعا به لوقفة متأنية أمام نمط تشكل بمعايير مدروسة معتمدة على قيمة دلالاتها أشكالا ومضامين.
تتميز أعمال الفنان ثائر هلال بإيحاءات تندرج في عالم الحركة المسرحية عبر الفضاء تبدو ممتزجة في ألا متخيل لا يمكن الفصل فيها بين مقومات العمل كتل وخطوط وإيقاع اللوني تنتهي بنسيج متلاحم، مع ما حظي به اللون كأرضية أو وسادة تتكئ عليها العناصر يتلقاه المشاهد قبل الدخول في التفاصيل والبحث عن إجابات لأسئلة تتحرك في ثنايا وجدانه.
ومع أن أعمال الفنان ثائر تميل إلى الرمزية التجريدية إلا انه ملتزم بأخلاقية الإبداع ومعاييره مؤكداً بها أنه لا يقبل بديلاً عن الجمال في وقت كثر فيه الزيف، محترماً بذلك المتلقي ومقدراً مستوى ذوقه مؤمناً كفنان بدوره في تكامل عناصر النجاح الفكرة والأداء أو التقنية ويمثلهم (الفنان) والشكل النهائي وتمثله (اللوحة) والهدف ويمثله (المتلقي) للأخذ بالفن إلى مرساه وموقعه الحقيقي أمام ما يشوب الفن من تسفيه وإتباع لحداثة تشكلت في رحمها بشكل سيىء وولدت في أرضنا غير مكتملة النمو.
تبدل شفاف في المحاور لن نبالغ إذا ما اعتبرنا الفنان ثائر هلال احد الأسماء اللامعة في التشكيل العربي استشهاداً بالكثير مما قيل عنه ولو بإيجاز ونختار من تلك العبارات والكلمات المشيدة به ما جاء بقلم الفنان طلال معلا الناقد المعروف والمقروء على مستوى الوطن العربي من خلال إبداع قلمه في الكثير من الصحف
والمجلات المتخصصة إضافة إلى إعداده لبرنامج تشكيلي هو الأبرز على مستوى الخليج يحمل عنوان تشاكيا يقدم في قناة الشارقة يقول الناقد والفنان طلال معلا عن الفنان ثائر هلال: في الأعمال الأخيرة التي أنجزها الفنان ثائر هلال، يلحظ المتتبع لهذه التجربة تبدلاً شفافاً في المعابر التقنية التي يحاول أن يسيطر عليها، ويسعى عبرها لمد اهتمامه البحثي على الصباغيات المشكلة للمساحة العامة والأساسية للوحته، وإذا كان ممكنا تقسيم هذه الأعمال إلى نوعين من حيث الحجم، كبير وصغير، بمعنى الاهتمام بمدى توسعه في مجالات التقنية اللونية، واعتبارها جسراً وحسب، للاهتمام بالهواجس الإيقاعية لعفوية المعنى، فإن هذا التقسيم سيبدو حاداً بمقابل الخبرة التي بدأت تظهر بوادرها الطيبة في ملاحظة ثائر لتبدل معاني الإيقاعات أو النبضات المعبرة فيما بين كلا الحجمين، وبالذات ما يمكن أن يشار إليه في تضاد الكتلة مع الفراغ، الكتلة المتناهية في التضاؤل والتجزؤ بمقابل كونية الفراغ وفضائية الحيز الذي تسعى فيه الأشكال كي تمتلك إمكانية التموضع الرياضي، إي الاستقرار الموسيقي المحسوب سلفاً من قبل الفنان.
انسجام المشاعر وتناغمها
أما الفنان حسن شريف أحد رواد التشكيل الإماراتي وأبرزهم في مجال الإبداع التشكيلي الحديث بما تثيره إبداعاته من جدل بين العديد من النقاد الخليجيين والعرب يقول عن الفنان ثائر: تعبر لوحات ثائر هلال عن انسجام في المشاعر أو تناغمها. والفنان من خلال لوحاته يتجنب وبذكاء ملحوظ عملية (التكامل) أي تساوق العمليات العقلية في شخصية سوية، لذلك فالألوان أو العناصر الموجودة على سطح أعماله الفنية هي ذاتية ولها علاقة بالحركة أو أنها تنتج الحركة التي يجب أن تتكاثر دوماً.
لوحات ثائر هلال مثل حقول تفيض منها ألوان ميرنانة مرددة للصدى وهذه الألوان المتفطرة تشبه نزفاً رومانسياً يفوح بالحزن وهي تتدفق إلى أبعد من حدود سطح اللوحة لتنتشر بهدوء. تؤكد تجربة الفنان ثائر هلال أن عناصر التصوير هي العناصر نفسها الموجودة في الطبيعة من مثل الحقول والطيور والغيوم والبحار وغيرها من عناصر كنا نراها في الحلم وليس في الواقع.
بطولة السطح
ومن جانبه تحدث الناقد غازي الذيبة في مقدمة لتقرير عن أحد معارض هلال بقوله: ثائر هلال، فنان سوري، أنجز معرضاً ابرز فيه بطولة السطح في لوحته، وحمل عنوان توقيعات، يتجه دون أي التباس إلى صياغة تشكيلية، تتوافق مع المعنى الكامن في مفهوم اللوحة وسطحها، قد يبدو هذا المدخل موارباً قليلاً في عنايته بالحديث عن السطح في لوحة هلال، لكن ذلك لا يخرج عن الإطار البصري الذي اعتنى فيه الفنان بسطوح لوحاته، وذهب فيها إلى فضاءات في غاية التلميح إلى أن السطح، يشكل ملمس لوحته البصري، وان هذا الملمس، يقف عند الشكل كتكوين شكلاني لا مضموني.
اختزان لطاقة اللوحة
ويقول الفنان تميم فرج المخرج الصحفي للمجلة الثقافية بالجزيرة وأحد زملاء الدراسة لثائر هلال: تدخل العين بيسر إلى لوحة الفنان ثائر لكنها سرعان ما تنقاد لحركة داخلية يحكيها هذا الجزء الصغير الذي يختزن طاقة اللوحة ويبنيها بحيوية
من خلال الوثب في الجهات الأربع بإيقاع رصين فيصبح الوقوف ممكناً متى شاءت اللوحة ذلك وكأن اللوحة ذاتها بقطعها الصغير عنصر أكبر ينتمي للوحة أكبر، أما القطع المربع المستقر إنما يكتنز حركة داخلية أثيرية يزيده بريقاً حسُّ النقش النافر أو الغائر سواء أكان ذلك من تأثير الضوء في اللوحة أو من خلال تخشين سطحها ذاته. ويضيف الفنان تميم بقوله إنني وأنا أسجل انطباعاً سريعاً عن أعمال الصديق والزميل ثائر الأخيرة فان ذلك ينقلني إلى فترة دراستنا في كلية الفنون الجميلة بدمشق حيث عرفت الفنان ثائر شخصاً هادئاً لكنه يحمل في داخله طاقة كانت تظهر في الكثير من المناسبات ويبدو لي أنه وفِّق في توظيفها الآن في بحثه الفني كما أنني لم أعد أعرف أيهما أكثر شبها بالآخر.. ثائر أم (تربيعاته).
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|