الإسلام في الأسر..!! أمل زاهد
|
تابعت بأسى بالغ وحزن عصف بمجامع قلبي فيلماً تسجيلياً وثائقياً عرضته إحدى القنوات الفضائية الأجنبية عن مأساة مدرسة بيسلان. وفي الفيلم تحدثت مجموعة من النساء والأطفال الذين كانوا شهود عيان لتلك الحادثة عن تلك الأيام الحالكة والقاسية، وعن المشاعر والأحاسيس التي عصفت بهم وهم يتعرضون لتلك المحنة.. تحدثوا عن تلال الخوف والألم والقلق والتوتر والعذابات النفسية التي جثمت فوق صدورهم.. تحدثت إحدى الأمهات المكلومات عن تبلبل نفسها وعذاب روحها عندما اضطرت إلى ترك ابنها (شميل) البالغ من العمر سبع سنوات بين يدي الخاطفين كي تعبر برضيعتها (أمينة) إلى بر الأمان، فقد أجبرها الخاطفون على تركه لأنهم سمحوا فقط للرضع وأمهاتهم بالخروج.
كانت تفوح من كلماتها رائحة الدم وقسوة المعاناة والتمزق النفسي وهي تلوم نفسها لأنها تركته ولم تكن معه في تلك اللحظات، وكانت تلوم نفسها أكثر لأنها لا تزال تتنفس بينما قد وارى التراب جسد ابنها الغض، وتحاكم نفسها وتقسو عليها وهي تردد: كان يجب علي أن أبقى رغم معارضتهم.
وبينما راح أولئك الأطفال يتحدثون عن تلك التجربة التي ستوصم ذاكرتهم إلى الأبد ببشاعة تفاصيلها، توحدت مع تلك الأمهات ورحت أتخيل لا شعورياً أطفالي وجميع الأطفال الذين أعرفهم وهم يمرون بتلك المواقف ويتعرضون لأنياب الإرهاب القاسية وهي تنهش في نفوسهم الغضة إيلاماً وتعذيباً.. وتخيلت ردود أفعالهم وانفطر قلبي وأنا ألمح خوفهم وملامح الذعر وهي تكسو قسماتهم البريئة. وتمنيت لحظتها لو استطعت أن أحمي كل طفل وكل أم من براثن الوقوع بين يدي الإرهاب المتجسد في قوم قُدت قلوبهم من صخر وتصحرت مشاعرهم وأحاسيسهم، فلم يلقوا بالاً إلى تهشيم تلك الزهور اليانعة التي لم تتنفس بعد عبق الحياة وندى نسماتها، بل جعلوا تلك الأرواح البريئة مطية يتسلقون بها إلى أهدافهم ومراميهم السياسية.
وتمزق قلبي أكثر وأنا أشعر أن الإسلام بات في حصار ليس فقط بيد
أعدائه ولكن بيد أهله ومن يرفعون رايته ويتشدقون بالانضواء تحت لوائه، وانهم هم من يشوه صورته ويعبث بملامحه ويهدم قيم المحبة والتسامح التي جلبها إلى العالم في معيته وأضاء بها أرجاء الدنيا وأطراف الأرض، حتى بات العالم يرتعد فرقاً عندما تذكر كلمة الإسلام أو المسلمين وصارت تلصق به وبهم أبشع التهم وأقسى الجرائم. وهل نملك أن نلومهم والأخبار تتهافت كل يومٍ على وكالات الأنباء وتتدفق على وسائل اتصالاتها عن ذلك الحدث الإرهابي أو ذاك!! والذي غالباً ما ينتهي بوجود علاقة تربطه بالإسلام وبمن ينتمون إلى ديانته، حتى صار هناك ما يسمى في الغرب بالهلع من الإسلام أو (Islamophobia)، وامتدّ هذا الهلع ليغطي كافة أقطار الأرض من شرقها إلى غربها كنتيجة للممارسات الإرهابية التي مدت نشاطها إليه.
وقد يقول قائل إن عدم توازن القوى واختلال الأخلاقيات التي يؤمن بها المجتمع الدولي هو الذي يدفع ببعض المسلمين إلى تبني الإرهاب وسلوك طرقه الوعرة، وحمل أرواحهم على أكفهم والتضحية بها في سبيل إيصال صوت قضيتهم إلى العالم.. فهو لا يستهجن مثلاً ما تقوم به أمريكا في العراق من ضربٍ للمدنيين وانتهاك للحرمات أو الممارسات التي تفعلها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، ولا يصنف هذه الأفعال تحت قائمة الإرهاب. والحقيقة أن سكوت المجتمع الدولي على هذه الإبادات الجماعية وسلبيته، يشكل الدافع الرئيسي والمحفز الحيوي للقيام بتلك الأعمال الإرهابية. فهل يملك العاجز إلا أن يخصّر نفسه بحزام ناسف أو يلغم نفسه بقنبلة موقوتة حتى يتخلص من ذلك الشعور الممض بالعجز وهو يرى حرماته تنتهك وأراضيه تستحل؟!! وهل يملك إلا أن يضحي بحياته كي يسمع العالم ولو قسراً صوت أنينه وصراخ شكواه؟!!
ولكن هل هذه هي الطريقة المثلى في إيصال صوتنا إلى العالم؟!! هل قتل الأبرياء وتلويث أيدي الإسلام الطاهرة
بتلك الجرائم البشعة هو الذي سيلفت نظر الرأي العام الدولي لنا؟!! هل ذبح الرهائن بدماء باردة هو الذي سيرفع راية الإسلام عالية خفاقة؟!! وهل سيرفع من ذكر الإسلام اختطاف رهائن على شاكلة البريطاني (بيجلي) الذي تخطى عمره الستين؟! أم أن الضحية استدر عطف العالم بأسره هو وأسرته المفجوعة ووالدته المسنة التي تتحرق شوقاً لرؤيته؟!! هل هذه الأعمال هي التي ستدفع الرأي العام العالمي لنصرة قضايانا وإلى محاولة اجتثاث الظلم والاستبداد والطغيان الذي نتعرض له؟! هل هي التي ستُساهم في حل مشكلاتنا التي تتراكم يوماً بعد يومٍ؟!! أم أنها ستشوه صورة الإسلام الناصعة البياض وستوشمه بما ليس فيه، وستؤلب العالم علينا وعلى الإسلام وتستفز مشاعر الكراهية كي تصب علينا وتنفث حممها فوق رؤوسنا؟!
من أكثر مشاكلنا استفحالاً هو أننا نتعامل مع الأمور بعاطفية فجّة وحماسة رعناء، ولا نجيد التفريق ما بين النافع والضار، ولا نحسن التمييز ما بين الخسارة التي ننوء بثقلها على عواتقنا وبين الفوائد التي سنجني طيب ثمارها إذا ما انصتنا إلى صوت العقل واستمعنا إلى نداء المنطق والمصلحة العامة، وإذا ما حسبنا وبدقة شديدة الخسائر والأرباح التي نجنيها من هذا العمل أو ذاك.
يجب علينا أن نفكر بنفس الطريقة التي يفكر بها الغرب حتى نعبر بصوتنا إليه وحتى نكسب تأييده ومؤازرته لنا.. نحتاج إلى أن نستعير عقله وطريقة تفكيره، ونقدر نتائج أعمالنا ووقعها على آذان العالم الذي لا نملك أن نعيش منفصلين عنه مبتعدين عن رحى الأحداث فيه، كما أننا لا نستطيع الاستغناء عنه أيضاً.
كي نطلق الإسلام من أسره ونفكه من القيود التي كبله بها أصحاب الفهم والقراءات المجانبة للصحة، يتحتم علينا أن نركز على نزعة الأنسنة التي يحفل بها جوهر الدين وروحه السمحة.. فمن ينقذ الإسلام ممن يلبس رداءه ويتوشّح بتعاليمه، ومن يفك الحصار الذي يشتد خناقه عليه يوماً إثر يومٍ؟!!
amal_zahid@hotmail.com
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|