المثقف بين المطالب والواجبات محمد المنصور الشقحاء
|
يتصاعد الحديث في وسائل الإعلام والمجالس الخاصة عن مطالب الأدباء والمفكرين والمحاصرة التي يعاني منها المثقف من المجتمع وأجهزة الحكومة، ولم يتحدث ذوو الصوت المسموع عن واجبات هذا المثقف نحو وطنه وأمته، وكأن المثقف من كوكب آخر.
ومن الواجبات التي تحدث عنها نظام الخدمة المدنية في الفصل الثاني تحت عنوان الواجبات:
1 أن يترفع عن كل ما يخل بشرف الوظيفة والكرامة، سواء كان ذلك في محل العمل أم خارجه.
2 استغلال النفوذ.
3 يحظر على الموظف توجيه النقد واللوم إلى الحكومة بأية وسيلة من وسائل الإعلام المحلية أو الخارجية.
4 كل موظف مسؤول عما يصدر عنه، ومسؤول عن حسن سير العمل في حدود اختصاصه.
هذه بعض واجبات الموظف التي صاغها نظام الخدمة المدنية الصادر عام 1397هـ.
وفي نظري أنها أيضاً واجبات كل مواطن نحو وطنه وأمته، فأين المثقف من هذه الواجبات ونحن في كل مناسبة نسمع مطالب وأماني ولا نناقش الواجبات التي تجاهلها الجميع؟!
وهنا أنطلق من مطالب المثقف في البيان الختامي للملتقى الأول للمثقفين الذي رعته وزارة الثقافة والإعلام والمشتمل على (22) هدفاً، كلها مشروعة، إنما إننا كمثقفين منها أين مؤسسات النفع العام (الاقتصاديين، التربويين، الاجتماعيين، الثقافيين، أدباء ومفكرين) من دورنا الإيجابي في احترام النظم والشعور بواجبنا الفعلي نحو الوطن؟! هنا يتوقف الحديث الذي معه نطالب الحكومة معه بالفعل.
1 في عام 1383هـ صدر نظام المؤسسات الصحفية الأهلية الذي استثنى المجلات الشهرية الأدبية والاقتصادية والعلمية.
2 في عام 1394هـ صدر نظام مجلس رعاية العلوم والفنون والآداب.
3 في عام 1393هـ تم تأسيس الجمعية العربية السعودية للفنون.
4 في عام 1395هـ تم تأسيس الأندية الأدبية.
كل هذه القوانين والأنظمة المؤسِّسة لفعل ثقافي مبرمج يخدم المجتمع بشكل عام، ويحقق آمال وطموح المثقفين أدباء ومفكرين، هي مبادرة حكومية تتوسم من خلالها تحقيق أهداف الحقوق والواجبات التي تطرق إليها النظام الأساسي للحكم الصادر عام 1412هـ، التي منها:
1 ترعى الدولة العلوم والآداب والثقافة، وتُعنى بتشجيع البحث العلمي، وتصون التراث الإسلامي والعربي، وتسهم في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية.
2 تلتزم وسائل الإعلام والنشر
وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة، وتُسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها، ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة أو الانقسام، أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة، أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه، وتبين الأنظمة كيفية ذلك.
3 تيسِّر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه، وتسنُّ الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل.
4 تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية.
من بين هذه المعطيات نكتشف الجانب السلبي للمثقف وموقفه غير الإيجابي من كل هذه المعطيات بالنقد والحجب كمثال حي مع هذا المعطى:
1 توقف مجلس رعاية العلوم والفنون والآداب الذي لم يقم بعمل بعد تغيُّر وزير (المعارف) التربية والتعليم آنذاك، ولم يُفعَّل حتى صدر أمر ملكي عام 1424هـ بإلغائه.
2 فقدت الأندية الأدبية دورها التنموي الذي اشتمل عليه نظامها الذي يخدم الأدباء والكتَّاب؛ لتكون ثقافية اجتماعية بعد تغيُّر مدير إدارة الأندية الأدبية، فأصبح يديرها مدير عام إدارة الأندية الأدبية في الرئاسة العامة لرعاية الشباب الجديد الذي عطَّل بسلوكه الإداري قرار الرئيس العام، ففصل الأندية عن المجتمع الثقافي الذي هو الجمعية العمومية والأعضاء العاملون.
هنا تتضح دور القيادات المساعدة في تعطيل النظم والقوانين التي تصدرها الحكومة حتى تشرِّع الفعل الثقافي، وكأن الثقافة مرض يجب محاصرته ووقف تحرُّكه بتهميش كل فعل تنويري بتشويه الصورة العامة للفرد.
هنا تكون الواجبات التي غفل عنها المثقف وهو يبحث عن تحقيق مطالبه وكأنه يعيش في صحراء لا يوجد بها شجر، بينما (هو) يقيم في منزل مكيَّف، ويقتني سيارة، ويستعمل حاسباً، وظل متجاوزاً مكتسبات عقود خمسة حفلت بأنظمة وقوانين تحدد الحقوق والهدف والواجبات؛ حتى يعرف كل فرد دوره في المجتمع، ودوره من خلال قيم إدارية تتطور وفق حاجته.
إدراكنا لهذه الأمور متأخر تأخُّر تعاطينا مع واجباتنا نحو المجتمع والقيادة، وبشكل عام حيال الوطن الذي أراه يفتح عينيه مندهشاً من هذا العقوق الذي يصرُّ المثقف على لبس ثوبه بمواطنة كاذبة تتدثر قيم الآخر، ومطالب الآخر، وصور تحضُّر الآخر، وصور عقد الآخر. كل هذه الحالات تتمثل بوضوح في خطابنا الثقافي المبني على التشكيك في كل فعل حكومي وأهلي، متجاوزين شرف المنافسة إلى انحطاط القذف والتجديف، وبالتالي نفرغ كل عمل من هدفه النبيل.
هكذا يأتي الخطاب الثقافي يحمل المطالب ويتجاهل الواجبات، وتسعى كل جماعة إلى تصور ذاتها على الحق غير مبالية بأثر ذلك في
المجتمع؛ حتى تحظى بقيم اجتماعية على حساب ثقافتها من خلال مفردات أداء غير أصيل وخارج عن إطار التخصص. يقول أحد الباحثين: (خطاب التجديد والبحث عن نموذج معرفي مختلف إحدى سماته الأساسية زوال سحر الغرب والتراث في لحظة واحدة، وانفتاح وعيه على الحداثة وما بعدها بكل تجلياتها الفكرية والثقافية والمعرفية دون الذوبان فيها، خصوصاً أننا نتمتع برصيد تجربة امتدت أكثر من نصف قرن، كما نتمتع بمستوى نقدي عالٍ متحرر من كل القيود غير المعرفية في وعيه للواقع والتراث). فهل خطابنا الثقافي يحمل وعي الراهن أم هو أسير تخبُّط سلوك اجتماعي وثقافة مكتسبة لا تنمِّي قيم المواطنة التي هي معرفة ذاتية وسلوك قبل أن تكون منهجاً، كما هو أسير تسيُّب فكري ومعنوي لا يصمد أمام النقد الحصيف بسبب أزمة التخلق؟!
ولماذا لم يعمل المثقف على تنشيط دور المؤسسات والجمعيات المهنية الأهلية والحكومية من أجل برنامج مشترك على مستوى الوطن لمواجهة معاول الهدم والتدمير وتحصين المجتمع ثقافياً وإعلامياً وتعميق الصلة بين الفرد وهذه المؤسسات حتى تقوم بواجباتها في ضوء ما خُطِّط له؟!
إن الظرف الذي يمر به الوطن يتطلب العمل على تحقيق المصالحة بين القوانين والنظم والمثقفين؛ حتى تُفعَّل هذه النظم، ويجد المجتمع الواجبات تتجاوز بشفافيتها المطالب التي يشيعها المثقف المغترب لمجرد استهلاك المنابر، بينما التحولات القيمية والاجتماعية تتناسب مع طبيعة ومستوى التغيرات الحاصلة.
هنا على المثقف بعد فشل صياغته خطاباً موحداً في الملتقى الأول أن يعيد اكتشاف نفسه من خلال مجتمعه والنظام السياسي القائم وتبديد القيم والقناعات القديمة وغرس قيم جديدة لا تتجاوز حدود ما هو قائم، فغيابه لم يعد مبرراً في وقتٍ المجتمعُ أصبح يرفض الفوضى التي أنتجها بريق الشعارات، واكتشف أن تدنِّي عمل المؤسسات الحكومية والأهلية ناتج عن خطاب ثقافي مزوَّر.
| | |
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|