عشت لأروي 1
|
* تأليف / غابرييل غارسيا ماركيز
* ترجمة / صالح علماني
* الناشر: دار البلد، 2003.
«يقولون إنه يمكن لك، إذا ما صممت، أن تصير كاتباً جيداً. لم أكن قد سمعت مثل ذلك الكلام، من قبل، في الأسرة قط. فميولي منذ الطفولة، كانت تتيح الافتراض بأنني قد أصير رساماً، موسيقياً، مغنياً في الكنيسة، أو شاعراً جوالاً في أيام الآحاد.
وكنت قد اكتشفت ميلاً معروفاً لدى الجميع، إلى أسلوب في الكتابة، أقرب إلى التلوي والرقة الأثيرية. ولكن ردّ فعلي في هذه المرة، كان أقرب إلى المفاجأة. فقد أجبت أمي: إذا كان علي أن أصير كاتباً، فلا بد لي من أن أكون أحد الكبار.
وهؤلاء لا يصنعونهم، وهناك في نهاية المطاف مهن أفضل كثيراً إذا ما كانت أرغب في الموت جوعاً. في إحدى تلك الأمسيات، وبدلاً من أن تتبادل الحديث معي، بكت دون دموع. لو أن ذلك حدث اليوم لأثار هلعي، لأنني أقدر البكاء المكبوح كدواء ناجح ومؤكد تلجأ إليه النساء القويات لفرض نواياهن. ولكنني في الثامنة عشرة من عمري، لم أدر ما أقول لأمي، فأحبط صمتي دموعها، وقالت عندئذ: حسن جداً، عاهدني على الأقل أن تنهي الثانوية، على أفضل وجه ممكن، وأنا سأتولى ترتيب ما تبقى مع أبيك».
بهذه البداية يقوم غابرييل غارسيا ماركيز، أو غابي، بتقديم بعض من نفسه، يدعي كما هم كتّاب السير الشخصية عادة أنه يرويها بصراحة، و بحجية تظهره مثلما هو عليه في الحقيقة: رجل بطبيعة طفل وموهبة أدبية إبداعية، كاتب، أديب يروي هذه المغامرة غير المعقولة التي كانت حياته.
يقول المؤلف:«الحياة ليست ما يعيشه أحدنا». وإنما هي ما يتذكره، و كيف يتذكره ليرويه، طلبت مني أمي أن أرافقها من أجل بيع البيت، كانت قد وصلت في ذلك الصباح إلى بارانيكا قادمة من القرية النائية حيث تعيش الأسرة، دون أن تكون لديها أدنى فكرة عن كيفية العثور علي، فراحت تسأل هنا و هناك بين المعارف، فأشاروا عليها بأن تبحث عني في مكتبة موندو أو في المقاهي المجاورة، حيث أذهب مرتين في اليوم لتبادل الحديث مع أصدقائي الكتاب، ومن أخبرها بذلك حذرها قائلاً: كوني متيقظة لأنهم مجانين تماماً، وصلت في الثانية عشرة تماماً، شقت طريقها بمشيتها الخفية بين مناضد الكتب المعروضة، ووقفت أمامي تنظر إلى عيني مباشرة بابتسامة ماكرة من ابتسامات أفضل أيامها، وقالت لي قبل أن أتمكن من الاتيان بأي رد فعل: أنا أمك.
يقع الكتاب في ( 315 ) صفحة من القطع المتوسط.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|