قصص قصيرة سعاد السعيد
|
(1)
دار مهجورة
لو أن صرير الباب يعلو، لو أن قدماً خشنة تحتك بغبار الأرض تُدفئ صقيعَ المكان، لو أن الشمس تحنو قليلاً على رُبعٍ من أرباعِ النافذةِ المعتمةِ، لو أن حمامةً ضلّت الطريقَ تحطُّ عليها، لو أن صاحبي ذلك الموبوء بالسل يدخلُ ملفوفاً بالكفن يصعدُ الدرجَ، يُطلِقُ بياضَ لفائفه للسماء يملأ السطحَ حجراً عدد الأيام التي غاب فيها محمولاً على نعش ناثراً ذرات سُعَاله تنمو في شقوقي، لو أنَّ ذلك كُلَّه يحدثُ لكنتُ من الأحياء.
***
(2)
اختزان الوجع
في السطح قفصٌ وطفلةٌ تبني بيتاً من الورق، عرائسُها أخشابٌ لا تنحني ملفوفةٌ بمناديلَ تواري استقاماتِ الجسدِ، النَّسرُ المحلِّقُ جناحاه معطفٌ طوَّقَ الشمسَ، والجرذُ في غفلةٍ من خطف النَّسر والشمسَ تتركُ ريشاً منشوراً وقفصاً يتدحرجُ في عيني طفلةٍ احتضنت الوجع.
امرأةٌ في عينيها طيرٌ فَقَدَ الريشَ بعد الاغتيال وشمسٌ سُرِقَتْ وقتَ الانبهار، قوارضُ الأرضِ لا تتركُ ساحات لك فيها صدى، أجنحة لا تصفق تملأ الفضاء تحجزُ الهاطلَ من السماء على نثرات اخضرارٍ صفَّرَها الظل وتيبستْ من العطش. جدرانٌ عاليةٌ من الاسمنت تنهارُ لا تصمدُ مثل تلك التي من الورق، جسدٌ لا ينحني مثل ذلك الذي من الخشب.
***
(3)
مزارع
منذُ عشرات السنين تُقطِّرُ عرقَكَ في حَلْقِ الأرض، تُوشِمُ خدَّها برسم قدميك، تَشمُّ فيها بقايا مدن وأمجاد ملوكٍ، تُقلِّبُ تربتَها، تُبعثر صفحات التاريخ.. لا تبوحُ لك.. تستأمنُها، تُسطِّرُ سيراً وفصولاً لتاريخ جديد، تُغيِّبُ جسدَ عزيز في صدرها، تدفنُ سَرَّكَ.. تفضحُك، وتطرحُ سِرَّكَ سامقاً أخضر للعيان.
***
(4)
الصياد
كُلٌّ يُغادرُ ويدخلُ خزينةَ البحرِ، صوتٌ في المدى يُنادي، يَلْتَبِسُكَ النداء: يا قانعاً، بصيدك الفقير اخرجْ من القوقعة، فُكَ المحارَ، فُك حَبْسَ القماش.
يخنقُكَ الشبكُ، تُقرِفُكَ رائحةُ السمكِ. تَستنشقُ رائحةً بعيدةً خليطاً من الزهر، يتقلصُ العالمُ، ترى خارطتَه في كفك، تسافرُ فيها، تصطاد أحلامَكَ بصنارة من ذَهب.
تتطاير غشاوة الأحلامِ تصرخُ ويتسعُ في المدة صداكَ مردداً: داخلٌ خزينةَ البحرِ لا نجاة.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|