أريد أن أقول: التدريب على الكتابة مالك ناصر الدرار
|
تساءل همنغواي: ما أفضل سبيل لتدريب من يريد أن يصبح كاتباً؟
أجاب: فلنقل أن عليه في البدء أن يخنق نفسه بنفسه، لأنه يعلم أن الكتابة عمل صعب ويكاد أن يكون مستحيلاً.. ثم يرغم نفسه على الكتابة بأحسن ما يمكنه لبقية حياته.. وأمامه قصة شنقه ليبدأ بها.
لا أرى في ما صرح به ارنست همنغواي الروائي الأمريكي الأشهر في القرن الماضي أدنى شبهة من مبالغة أو تهويل، بل إنه الحقيقة مجردة.. ولعل هذا التصريح بمثابة جرس تطلقه في وجوه من يتصدرون للكتابة في كل حين كما لو كان ذلك عملاً ميكانيكياً بحتاً لا يتطلب جهداً ولا بحثاً ولا إعمالاً للفكر. فنتاجهم غزير تراه أمامك في كل مكان، ويبدو للوهلة الأولى أنه متقن، ولكن لوضعناه تحت المجهر لاتضحت الصورة جيداً جداً.
نعم.. الكثير مما يكتب غثاء كغثاء السيل..
وقد يقال إنه لا سبيل للتمرس بالنسبة لأي كاتب مبتدئ في عالم الأدب إلا بهذا الطريق.. أي الكتابة المستمرة المتواترة، كي ينضج الكاتب وتتبلور أمامه السبل ويقف على أرض صلبة متينة..
إذن فليكتب وليكتب وليفرض غثاءه، عفواً بل نتاجه، على أعيننا وأذواقنا.. وقد تكون بدرجة من السوء والابتذال اللفظي واللغوي ورغم ذلك ينشرها المحرر.
فليحتفظ بها لنفسه فما أغنانا عما يكتب إن لم يكن ليضيف شيئاً من القيم والمثل التي تخلد المسيرة الإنسانية التاريخية في الأدب.
ولكن..
أهذه دعوة للإقلال مما نقرؤه.. مما تطالعنا به الصحف والمطبوعات في كثير من الأحيان.. الإجابة: أجل هي كذلك.. بل دعوة أشد وضوحاً لامتناع، أو منع بعض الأسماء والأشخاص، أدباء كما يدعى، ممن يملؤون الدنيا ثرثرة جوفاء والابتعاد عن الساحة.
آه.. ولكن هل الصورة قاتمة إلى هذا الحد..؟
ألا نرى من بين آلاف الحصى في التراب، التماع بعض قطع الألماس الباهرة الجمال شديدة النقاء، لأسماء تطل ببطء هنا وهناك.. تتوارى استحياء وخجلا وتطل بجمال واقتدار، فلا علينا إذن إلا أن نتسلح بالتفاؤل، رغم كل ما يدعونا للعكس.. فالمستقبل حتماً لهؤلاء.
ثم ماذا؟
القراءة والتثقيف القراءة المنهجية المتصلة التي تفتح آفاقاً جديدة كي يستنير بها العقل ويرتقي بها الوجدان، ثم تصبح أساساً يبني عليه من يريد دخول عالم الإبداع، وهي تسمية ابتذلت لشيوع استعمالها بدون وجه حق، أساس يبنى ببطء لكن بثقة وتمكن.. إن القراءة سبيل حيوي ومهم للتمرس والتمرن والاطلاع ثم الإفادة.. إنها سماء جديدة تنفتح أمام المرء وعليه أن يستظل بظلها وينهل منها.. ثم التثقيف.. وهو ناتج من نواتج القراءة والاطلاع ليستنير بها المرء وتتبلور أمامه الرؤى ويحدد بالضبط أين هو ببوصلة إحساسه الدقيقة، من بين مئات الكتاب قديماً وحديثاً.. ثم يقيم بحيادية، إن كان حياديا، ما يكتبه، ويقوم بغربلته ليخرج نقيا من أي شوائب تلوثه.
هذه هي أولى الخطوات التي سيسلكها الكاتب المبتدئ وهي بالتأكيد أهمها ولكن من يعينه على ذلك.. صحفنا ومجلاتنا السعودية المحلية.. عبر صفحاتها المتألقة التي تفردها للقراء.. والقارئات وكذلك عبر الأندية الأدبية والثقافية.
المبدعون الكبار، مع التحفظ؟ ربما.. يبقى العامل الأهم.. ضميره هو.. أن يكون الخصم والحكم في قضيته فلا يأس، مجازاً أن يشنق نفسه بنفسه، بحسب التعبير الصادق حتى القسوة والمعبر لهمنغواي، متخذاً من هذه القسوة الضاغطة قوة محركة ومحفزة لتطوير ما يكتب.
إن عليه أن يبدأ بنفسه أولاً وأخيراً، إن شاء أن ينتهي بالآخرين.
* كاتب صحفي جدة
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|