في آفاق الأدب والتراث عبد الله بن محمد الحقيل
|
إن التراث العربي الإسلامي حافل بصفحات مشرقة وضَّاءة وناصعة لما يحويه من الذخائر النادرة والمخطوطات والوثائق والكتب التي تركها أسلافنا، فهو إرث ثقافي جدير بالاهتمام ونشره على نطاق واسع وفي طبعات لائقة. وإن التراث لهو مظهر من مظاهر الإبداع الفردي والجماعي للأمة عبر تاريخها وهذا ما ينبغي النظر إليه نظرة علمية موضوعية تاريخية، كما أن الوعي به ضرورة حضارية ولا عجب أن يعتز المسلمون بميراثهم الثقافي فقد زهت الحضارة العربية الإسلامية بحظ وافر من التراث والمصنفات النفيسة كما قال الشاعر:
أبقوا لنا حكماً تبقى منابعها
أو في الليالي على الأيام وانشعبوا
وعلاقة هذه الأمة بالتراث علاقة جذرية يدفعها إليها الدين والتاريخ والواقع، وينبغي غرس حب قراءة تلك الكتب في نفوس الناشئة من قبل الأساتذة والموجهين كما أن على الناشرين ألا يتقاعسوا عن نشرها مهما كان الإقبال على شرائها ضئيلاً، إذ إن من الواجب علينا في مختلف المواقع ألا نترك تراثنا يعمل على إحيائه ونشره نفر من المستشرقين أو دور نشر تجارية اتخذ البعض منهم ذلك وسيلة للتجارة والتجني على الحضارة العربية الإسلامية والتاريخ العربي ودس سمومهم فمناهجهم في البحث معروفة، فكم أساءوا إلى الإسلام واهتموا بترويج الأقوال التافهة والآراء الواهية والأحاديث الموضوعة والمقولات المدسوسة من الشعوبيين مما هو معروف لدى الباحثين. وللاستشراق جذور منذ أيام الأندلسيين وكان في بعضهم تجرد علمي وإنصاف فكري حين نشروا كثيراً من الكتب مزوَّدة بشروح وفهارس دقيقة وافية. إن التراث الإسلامي جزء كبير من الثقافة الإنسانية. ولقد قال الناقد المعروف محمد مندور (إن في الكتب العربية القديمة كنوزاً نستطيع إذا عدنا إليها وتناولناها بعقولنا المتفتحة الواعية أن نستخرج منها الكثير من الحقائق التي لا تزال قائمة حتى اليوم). إن التراث إرث ثقافي وفكري ومنطلق إلى آفاق المستقبل وإن عظمة الأمم تعتبر بتاريخها وتراثها وعلمها وإنجازاتها والارتباط الوثيق بتاريخ حضارة ديننا الإسلامي والإفادة من سير أسلافنا ليكون ذلك نبراساً لنا في الحاضر والمستقبل، وإبراز ما أسهم به أعلام الإسلام في هذا المجال وتعريف الناشئة برجالات الفكر الإسلامي وتبيان نواحي الابتكار في آرائهم وأعمالهم في مختلف الميادين العلمية والعملية.
وما أجدر شبابنا أن يهتم بهذا الجانب ويحرص على قراءة كتب التراث لتحقيق روح التواصل التاريخية وتعميق تلك المفاهيم التي تصل بيننا وبين ماضينا خاصة أن التراث حقل واسع من المعارف الأدبية والعقلية والعلمية والدينية، وبالاطلاع والقراءة ينفي الشاب تهمة من يرميه ويصفه بأنه لا يقرأ ولا يطلع على أدب أمته وتراثها وذلك أن التراث هو المدد الأساسي في تذوّق اللغة وآدابها ونصوصها الراسخة؛ فمن يطالع كتب الأدب وما تحتوي عليه من حكم وآداب تتجلَّى في كتب الجاحظ والأصمعي والمفضل الضبي وعبد الحميد بن يحيى وابن العميد والصاحب بن عباد وبديع الزمان الهمداني والميداني والأصفهاني وأبو علي القالي والحريري والقاضي الفاضل وغيرهم من الأدباء الأفذاذ، وكذلك الخطباء المعروفون ببلاغتهم كسحبان وائل وقس بن ساعدة الأيادي وأكثم بن صيفي وزياد بن أبيه وعبد الملك بن مروان والحجاج، وكذلك النحاة من أمثال الفراء والكسائي وسيبويه وابن الحاجب وابن هشام والخليل بن أحمد وابن دريد وغيرهم ممن لا يتسع المجال لإيراده وذكره من عمالقة الأدب والخطابة والشعر والنثر، وليت أساتذة اللغة العربية يحثون طلابهم بتعويدهم على البحث واختيار نماذج ضمن كتب التراث يكلف الطلاب بقراءتها وشرحها ليتذوق الطلاب الأساليب العربية والأدبية الرفيعة ويطلعون على أنماط التفكير المتنوِّعة للأدباء والكتَّاب والمفكرين في العصور المختلفة وسيكون لذلك أثره البالغ في حياتهم ومستقبلهم مع الاهتمام والعناية بدراسة العلوم والآداب والثقافة الحديثة المعاصرة والمسيرة العلمية الحضارية مما يتفق مع التفكير الإسلامي السديد والفكر المستنير. هذا وبالله التوفيق.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|