عناية الرحالة بالجزيرة العربية وبتراثها
|
الجزيرة العربية مهد الحضارة وأولى بقاع الأرض التي حملت الإنسان الأول ومهدت له سبل الحياة، ولقد كان لموقع الجزيرة العربية أثر في العناية والاهتمام من جانب الأوربيين القدامى، حيث بدأ اهتمامهم وزياراتهم لها منذ القرن الخامس عشر الميلادي، وكان لتلك الرحلات أهداف متنوعة كما جاءت كتاباتهم متباينة من حيث الالتزام بالموضوعية والحياد، وما اشتملت عليه من معلومات وانطباعات، ولا شك أن تلك الكتابات كانت موضع اهتمام الباحثين المعاصرين عن تاريخ الجزيرة العربية، فقد ترك أولئك الرحالة كتابات أفادت بعض الباحثين حيث درست جوانب مختلفة من تاريخنا.. كانت الجزيرة العربية مكانا مجهولاً بالنسبة للأوروبيين، ولم تكن هناك معلومات جغرافية إلا ما هو مستمد من كتب الجغرافيين، والرحالة القدامى، وقد ترجم قسم كبير من تلك الرحلات والدراسات التاريخية إلى العربية، وكانت تعكس اهتمام الأوروبيين المتزايد بالشرق عندما بدأت البوادر الأولى لصراعاتها من أجل السيطرة والتوسع، فيما وراء البحار وقد بدأته إسبانيا والبرتغال وهولندا وفرنسا وبريطانيا كقوى بحرية استطاعت الوصول إلى الشرق العربي والجزيرة العربية والخليج العربي وكانت تلك الرحلات لا تخلو من مهام استطلاعية وعوامل سياسية واقتصادية أخرى.
ومن يستعرض كتب الرحالة الغربيين يجد الكثير، ولعل من أبرزها كتاب جاكلين بيرين «اكتشاف جزيرة العرب» الذي ترجم إلى العربية في بيروت منذ خمسة وعشرين عاماً، كذلك الرحالة «بدول» الذي نشر كتابه في لندن سنة 1976م والكابتن ج. فورستر سادلير، وكذا جيفور بالغريف وفيلبي واليزابيث مونرو وهاملتون، وهونكه زفريد، وكذا لود وقيجو فارتيما من «مدينة البندقية» 15031508م رحلة من البندقية للقاهرة ثم سوريا والحجاز واليمن ثم فارس والهند، وكارستون نيبور «دنيماركي» 1762م كان رئيساً للبعثة الملكية الدنماركية التي قامت برحلة إلى جدة، اليمن، مسقط، الأحساء، وهو الوحيد الذي عاد حياً من أفرادها إلى بلاده.
لقد كانت الجزيرة العربية مصدر الإمداد الحضاري والروحي للإنسان لقد جذبت الجزيرة العربية الكثير من الرحالة الأوروبيين الذين كتبوا عنها مسجلين انطباعاتهم ووصفهم كما أسهمت أبحاثهم وأعمالهم في نقل صورة عنها من خلال المشاهدة للأماكن والمعالم والآثار والمكتبات التي زاروها، كما قام بعضهم بتدريس ما حملوا إلى أجيال جديدة من المستشرقين، مما يحفل به التراث العربي الإسلامي من ثمار المعرفة والآداب، والفنون وما كتبه أسلافنا من شعر، وفكر وحكمة وفلسفة منه ما نشر ومنه ما زال مخطوطا في شتى مكتبات العالم.. وفي السنوات الأخيرة بدأ الاهتمام من قبل أقسام التاريخ والآثار بالتنقيب عن الآثار تمثل في الدراسات والكشوفات والتنقيبات الأثرية وآثارها.
وتعد كتابات الرحالة عن الجزيرة العربية نقطة جذب وموضع اهتمام كثير من الشعوب والباحثين لما تميزت به من خصوصية وأهمية في إحدى مناطق الحضارات القديمة وملتقى الطرق التجارية ونقطة اتصال مهمة مع الحضارات الأخرى فهي همزة الوصل التي تربط كل القارات لتكون قطب الأرض ورحاها، ولذلك فقد حظيت بسجل تاريخي حافل بالأحداث.
ومن أبرز العوامل التي دعت الرحالة إلى الجزيرة العربية وجود المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة والتنافس الأوروبي على الخليج العربي وقيام الدولة السعودية، وامتدادها، ثم قيام الملك عبدالعزيز بتأسيس المملكة العربية السعودية، فهذه العوامل وغيرها من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كانت مصدر جذب للرحالة، إلى جانب ما تحفل به من معالم تاريخية ومناطق أثرية مهمة حظيت بدراسات موسعة من بعض الباحثين ولفيف من المستشرقين حيث تحدثوا عن مصادر التاريخ في أرض التاريخ، وحضارة قوم عاد وثمود والأنباط وذي القرنين والرسالة المحمدية والحضارة الإسلامية التي أشرقت بنورها على أوروبا حيث كان ظهور الإسلام حدثا تاريخيا لا يشابهه حدث في تاريخ البشرية، فقد استطاع أبناء هذه الجزيرة من أتباع هذا الدين أن يغيروا وجه الأرض تغييرا كلياً في فترة من الزمان ولا تزال البشرية كلها تعيش في آثار تلك التغيرات إلى يومنا هذا ومن هنا فما زال العلماء والباحثون يستطلعون أحوال هذه الجزيرة والتعرف على خصائصها الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والحياة الفكرية ومظاهرها في اللغة والشعر وخلصوا من ذلك كله إلى أن الجزيرة العربية كانت موطن حضارات متعددة ومتقدمة وبالله التوفيق.
* عضو جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|