هل الرواية هى الأقوى حضوراً؟
|
لم يعد للشعر ذلك التأثير الذي كان له، ولكنه ما يزال وعاء يستوعب تجاربنا وآمالنا وآلامنا، ومهما غصنا في الحياة المادية، ومهما قيل عن كون هذا العصر عصر الاكتشافات العلمية والاتصالات ونحو ذلك فسوف نظل نجد في الشعر الصادق ملهاة أو مسلاة أو مسكنا أو محققا لبعض الارتواء الذاتي أو الجماعي. ومهما تغيرت طريقة حياتنا فسوف نبقى بشراً، ولن يغطي على عواطفنا علم متقدم ولا آلة صماء.
أضع هذا «الادعاء» بين يدي التعليق على الندوة التي صاحبت مؤتمر رؤساء الأندية الأدبية الذي استضافه نادي القصيم الأدبي قبل أيام، وكان عنوان «الندوة»: «الرواية بوصفها الأقوى حضورا» فهل هذا الحكم بقوة حضور الرواية دقيق وصحيح؟ وعلام استند مقترحه؟ إنني في شك كبير يفضي الى يقين أكبر من صحة ذلك الحكم، وحتى أسبغ على كلامي منهجية علمية، أستأنس بالحصر الوراقي «الببليوجرافيا» الذي أنجزه الأستاذ القاص خالد بن أحمد اليوسف وهو ينجز أكثر أعماله بصمت مذهل وكان خاصا بالتأليف والنشر الأدبي في المملكة لعامي 1422/1423هـ 2002. «ينظر: المجلة الثقافية/ العدد الثاني».
وكان من الخلاصات التي قدمها ان عدد الأعمال الشعرية المنجزة في هذا العام بلغ سبعة وأربعين ديوانا، وعدد الكتب المؤرخة للشعر والدراسة له بلغ ستة عشر كتابا. أما الرواية فلم يصدر منها إلا تسع عشرة رواية، وأما القصة القصيرة فبلغ عدد مجموعاتها الصادرة ثلاثا وعشرين مجموعة، وكان عدد الكتب الدارسة للرواية والقصة القصيرة سبعة كتب.
فإذا جاز اتخاذ هذا الحصر معياراً، فأين الحضور الأقوى للرواية؟ إن القصة القصيرة تسبقها أيضا وتفوقها قوة حضور، ولو جمعنا عدد الروايات والمجموعات القصصية وقارناها بعدد الدواوين لوجدنا الغلبة للشعر أيضا.
لقد جانب واضع ذلك الحكم الصواب، ولو أنه قال مثلا «بوصفها متزايدة الحضور أو متنامية» لكان حكمه أدق؛ ذلك أننا نشهد حقا تزايد العناية بالسرد، ولكنها عناية لم تبلغ مقدار العناية بالشعر، وأظن ان الحكم المستخلص من مقالة الأستاذ خالد اليوسف يمكن تعميمه على أغلب المشاهد الثقافية العربية.
ومما يحقق مقولتي أن الشعر باق بوهجه وقوة حضوره ولا ينقضها: تهالك كل الكتاب على ان يوصف انتاجهم بالشعرية؟ أليست دعوى «قصيدة النثر» مما يؤكد بقاء الشعر على عرشه المكين؟
كما ان انحياز كتاب القصة القصيرة والرواية الى لغة الشعر مدعاة أيضا للشك في صحة تلك الدعوى.
ومع يقيني التام بما قدمت ذكره، أقول: لعل مما يفضي بنا الى أحكام أكثر دقة وأقرب صوابا ان يعمد الى طرح استبانة علمية منهجية على الأدباء والمفكرين والمعتنين بالشأن الثقافي تكشف اهتماماتهم ومجالات عنايتهم: أهي في الشعر أم في القصة القصيرة أم في الرواية، وأقترح ان تتبنى هذه المجلة «الثقافية» الجديدة طرح هذه القضية في تحقيق موسع.
لقد قال أحد الكتاب: إن الرواية قد أصبحت ديوان العرب. وهذا قول لا ينقصه إلا الصواب، ومع انحيازي للشعر في الحكم بقوة الحضور، فإنني أقول: إن الشعر أيضا لم يعد هو ديوان العرب.
د. عبدالله بن سليم الرشيد
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|