اثر خفيف الصمَّاتون على أحوالهم علي العمري
|
ذكرَ المُنْجدُ في مَتْنه أن من غَرَبَ غْرباً: ذهب وتنحَّى وفي سفره تمادى، بمعنى ان الغريب على البداهة هو من فارق الأهل والمَعْشرَ، من نأت به الخطوة بُعْداً، أي أن الغربة حالة تتكبَّدُ الكائن أو يتكبدها أن تُرْغمه الضرورةُ حتى يحترفَ البُعْدَ لا عن المهد الأول فحسب، بل ربما عن أب أو ولد والأفدح عن أم ستأكلها الحسرات أن يمرُّ بالبال متغرب يزداد قُرباً كلما نأى.
لكن ثمة غربة ليست كالغربة وغريب ليس كالغرباء، تلك التي من عديم المعنى ان تُنْعتَ، إذ إن سُكانها في الغالب صَمَّاتون على أحوالهم، ومن عجيب غربة كهذه أنها تعتري الكائنَ سواءً كان مُفارقاً أو كان مقيماً في مكان كان ولم يعد المكان، تجد الشخصَ تحت تأثيرها فاقداً حرارةَ الحواس فلا العينُ ترى الممكن في المكان فتنفذَ منه إلى أبعدَ، ولا أيٌّ من أدوات الكائن تستعمل إلا ليغترب المقيمُ تحت سقف بلد لم يعد البلد، لذا تراه أنأى وأبعد وأكثر الغرباء تحت أكثف غربة. وهذا الغريب في مكانه شاسعةٌ المسافةُ بينه واللحظةَ فهو لا يفعل، لا يتعطَّفُ، تأثره أبلغ بأزمنة تُدار بعيداً في مُخَيِّلة سحيقة، غربة الثقيل الذي لا يطفو على السطح من اللحظة.
وبما انه من دون ريْبٍ ميَّالٌ إلى أقل العلاقة، فهو الواحدُ النادرُ اللُّطفِ، الصامتُ، من يغيب ولو حضر، حيث الألم ينفتح أكثر كلما تشعبت العلاقة وانتهك الآخرون الحدود، لأن هكذا غربة تتغذى على صدأ العلاقة بالغير لما الكلام أصعب حالات كينونة في المأزق لم تكن الشيء كاملاً ولا الكائن ناقصاً يتنفَّسُ كمالَ نقصانه في الرحب.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|