في نظرية الرواية سلطان سعد القحطاني
|
أولاً: الرواية من منظور التراث العربي
إن نفي طه حسين لبعض لشعر الجاهلي، كما نفاه المستشرق البريطاني «مرجليوث» Margioliouth ونفي القصة، يعني نفي تراث وثقافة أمة من الأمم، وهذا بدوره يعني نفي الانسان ووجوده الحضاري، وهذا طرح لا يتفق ومنطق العقل الانساني، اضافة إلى نفي صحة التاريخ الأدبي العربي، الذي لا يختلف عن الثقافة الانسانية في بقية أجزاء الكرة الأرضية، وما توصل إليه الباحثون في نظرية الرواية يؤكد أن الشعر العربي تميز بإيقاعه الموسيقي المغنى، فتردد على الألسنة وحُفظ في مجتمع تغلب عليه الأمية، والشعر ثقافة أمية، ولغة مشافهة، وأقرب ما يكون إليه السجع الذي انتشر في لغة الرهبان، أضف إلى ذلك أن الإسلام نهى عن التعامل بلغة الرهبان، وما حفظ من الخطب الجاهلية، كخطبة «قس بن ساعدة الأيادي» ووصية «ذي الإصبع العدواني» حفظت لما فيها من الموعظة، ونقلت مشافهة قبل عصر التدوين، بطريق الرواية المتناقلة، وأهملت رواية الشعر في صدر الإسلام، امتثالاً لقول الله تعالى: {$ّالشٍَعّرّاءٍ يّتَّبٌعٍهٍمٍ پًغّاوٍونّ} {إلا الذين آمّنٍوا $ّعّمٌلٍوا پصَّالٌحّاتٌ ...} حتى إن كتب التاريخ الأدبي تروي لنا، أن بعض الشعراء المخضرمين، الذين عاشوا الجاهلية ترك الشعر بعد إسلامه، مثل لبيد بن ربيعة وغيره، فالشعراء كانوا يمدحون الأمراء والأثرياء في الجزيرة العربية، ويشجعون على العصبية القبلية. والاسلام جاء للمساواة وصهر المجتمع في قالب واحد، هو الإسلام.. ومن هذا المنطلق لم يبق إلا القصة المروية، والمعروفة عند العرب بالرواية، ولم تعترف هذه الرواية بسجع الكهان، يقول الباحثون في النثر «وسجع الكهان الذي عرف في الجاهلية ضرب من الشعوذة اللفظية، وهو ليس فناً وليس أدباً، وإنما هو عبث يعتمد على الجرس اللفظي»«1» لما فيه من التكلف في الصنعة، لكنها عادت فيما بعد على يد عبدالحميد الكاتب، وأستاذه سالم «مولى هشام بن عبدالملك» وتوارثها النثر العربي، إلى عصور متأخرة وهذا يعود بنا إلى السر الذي جعل الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته يرفضونه. وعبدالحميد الكاتب، بليغ مسرف في تدبيج البلاغة، كما يقول الدكتور شوقي ضيف «كان بليغاً وقد ضربت ببلاغته الأمثال» ونحن كدارسين متأخرين لا نجد في بلاغته أكثر من ثلاث حالات، هي: الترسل، والترادف، والحال.. وهذا الأسلوب البلاغي، المترادف الألفاظ، هو نفس الأسلوب الذي نقلت به الرواية العربية بعد عصر التجميع، في عهد الخليفة «معاوية بن أبي سفيان» وهو أسلوب لم يتطور، مثلما تطورت الكتابة الديوانية، والمراسلات السياسية، واختصار العبارات عند سهل بن هارون، وكتَّابه في الديوان العباسي، ولم يبق من هذا الأسلوب القصصي المدبَّج بلاغياً إلا ما وجد في مصادر التاريخ الأدبي، من روايات نقلية في الطبري، وابن اسحاق، وابن هشام.. ومن المصادر الاخبارية التي جاءت على سبيل الرواية النقلية، مجموعة من المصادر كان لكتَّابها أو من نقلوها بالمشافهة دور كبير في تأصيل الفن الروائي، كذاكرة شعبية، منذ أن ظهر التدوين في القرن الثاني الهجري، وتم تحريرها بحفظ الذاكرة الشفوية، كمادة أولية للرواية الفنية، فيما بعد. فقد ذكروا كتاب «المغازي» لأبان بن عثمان بن عفَّان، المتوفى سنة 105 هـ، وهو كتاب أقرب ما يكون لكتب الرحلات وما فيها من قصص مشوقة، وذكروا كتاباً، في التاريخ لعروة بن الزبير، المتوفى سنة 94هـ، يحتوي على قصص من التاريخ نقلت بطريقة الرواية الشفوية.
أما الكتاب الذي يصدق عليه مصطلح الرواية النقلية، فهو كتاب «التيجان» لوهب بن منبِّه، »المتوفى سنة 110هـ، وهو كتاب يروي فيه سير ملوك اليمن، وقد نقل فيه من القصص الواقعية الشيء الكثير، عن بني إسرائيل، على سبيل المثال، ونقل عن عبدالله بن عباس رضي الله عنه مدونات قصصية ذكرها ابن سعد في الطبقات، وسنأتي على شيء منها في تفاصيل البحث. وكان ابن منبِّه متميزاً عن غيره بالقدرة الفائقة من ناحيتين:
الأولى: القدرة على رصد الحدث التاريخي. والثانية: قوة الخيال. اضافة إلى أن ابن منبِّه أول من استطاع توظيف الحدث التاريخي الحقيقي ومزجه بالأسطورة، وهذه طريقة جديدة في ابتكار نوع من السرد، يختلف عن الطرق التي سبقه إليها بعض الرواة، مثل دغفل البكري «النسابة» الأول، المتوفى سنة 60هـ أو زياد بن أبيه، الذي ألَّف كتاباً في «مثالب العرب» مما دعا الخليفة معاوية بن أبي سفيان للاعتراف به كأخ له من أبيه.
|
|
|
|
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى
chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى
admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved
|