قبل العيد بيوم, أو بيومين، تأتي الفقرة المزعجة, التي نتهيّبُ الوقوع فيها غالبًا، والتي يُمكنها أن تُحيل الوصل قطيعة سريّة من طرف واحد؛ تتفاجأ بها، وأنت تُسلّم على الحضور في يوم العيد؛ لتراه في تَجّهم بعض الوجوه.
أُناس تجمعك بهم الأعياد التي تنتظرها؛ لتراهم, وتصل بهم رحمك البعيد, فهم غالبًا لا تجمعك بهم مدينة واحدة, أوربما لاتراهم إلا في مناسبات تساوي هذه المناسبة.
هؤلاء الصامتون طوال العام، لا تدري, ولن تدري من سقط منهم من جهات اتصالك، ومن بقي!
فهم لا يظهرون إلا في مواسم الأعياد, أو ما شابهها من المناسبات الرسميّة. ولأنّ الهاتف المحمول جمادٌ، قابلٌ لفقدان الذاكرة، والتلف، أو حتى التغيير, قد تضطر مع استقبال كُلّ رسالة, تشعر بأنّ صيغتها موجهة إليك أنت تحديدًا، وبعد الكثير من اللطافة والشكر تسأل: من معي؟
قبل أن تتفاجأ بغضب الطرف الآخر، وكأنّك طعنت في كرامته بسؤالك هذا, أو أشعرته بأنّه في حياتك نكرة تسقطه متى شئت!
هذا الغضب غالبًا يُعَبّر عنه إذا كان للمرة الأولى؛ عن طريق ترك المحادثة بصمت؛ عقابًا لك. هذا إذا لم يحجب رقمك؛ لأنّك آلمته بسؤالك, فمن أنت حتى تجهله, وهو المعروف الذي لا يُعرّف؟!!
كان عليك أن تتوخى الحذر قبل أن تسأله, وتجمع قواك الخارقة؛ لتوظِّف حدسك الذي يجب ألا يخيب حتى تعرفه.
مع السنوات, وتغيير الهواتف الدائم؛ قد تضطر إلى أن تُطوّر أسلوبك؛ لتكون أكثر لطافة ودُعابة, وتوددًا حتى لا تخسر هذا الذي خصك برسالة موسميّة من بين جهاته.
وبعد الشكر، والدعوات، والامتنان, والقلوب الورديّة، تأتي فقرة الاستجداء كاملة : جزاك الله خيرًا,وجعل لك من هذه الدعوة الطيّبة المباركة نصيب.
قدر الله عليّ, فغيرتُ جهازي, وفقدتُ بعض الأرقام الأثيرة عندي, وعلى ما يبدو أن رقم هاتفك كان من ضمن مافُجعتُ بفقده، أعتذر لسؤالي إذا كان سيضايقك, لكنني مضطر لسؤالك حتى أكسب وصلكم من جديد: من معي فضلًا لا أمرا حتى يتشرف هاتفي بحفظ رقمك؟!
وحتى لايشك المرسل في أنّك ربما تكون لست الشخص المعني, تضع اسمك كعربون أمانٍ وثقة؛ ليتكرم بإعلان اسمه.
سيكون الرّد في أفضل تقدير بحسب نفسيته ومزاجه وقتها!
ففي أحسن الأحوال ربما ستتفاجأ برد استظرافي بمحتوى مستهلك وقديم جدًا: (معجب أو معجبة)، ثم مغادرة!
أو يتحول الوضع على الصامت كالعادة, ثم انسحاب دون إعارتك أي اهتمام؛ لأنّك شخص لايهتم لجهات اتصاله, ولايحافظ عليهم, وإلا لما عرضهم للفقد!
عندها أنت مُخيّر بين أمرين : إما أن تضطر إلى الاستنجاد ببرامج تظهر لك اسم صاحب الرقم كـ(النمبر بوك) مثلا,و الذي لايكون منقذًا دائمًا؛ فتتورط به.
أو أن تقوم أنت شخصيًّا بحظر هذا المستظرف؛ لأنّك لا تدري هل تعرفه أم لا!
همسة لمن تستهويهم لعبة تحويل الحبّة إلى قُبّة:
أيّها العَلَم الذي في رأسه نار!.. يابوصلة العالم!: إذا سألك صاحب الرقم من معي لا يعني هذا أنّه يتعمد إهانتك، أو أنّه زهد في رقمك، أحسن الظن، وتواضع له كما تواضع لك حتى لا يضطر لحظرك بتهمة أنّك ( نفسيّة).
د. زكيّة بنت محمّد العتيبي - الرياض