يعتبر النمط الروائي الأدبي المتحول دائماً والمائل إلى الفوضى في الأشكال الأدبية من أهم الأسباب التي تجعل اتفاق النقاد على تعريف محدد للرواية أمراً صعباً وشائكاً، بل إن تحديد العوامل المؤثِّرة في البنيات السردية الروائية قد صار من الصعوبة الاتفاق عليه، وذلك نظراً لما واجهته الرواية من تحولات جذرية وتأثيرات بيئية غيّرت أو طوّرت من الأسلوب المنهجي والتكويني للرواية. إلا أن النقد الروائي خاصة في العالم العربي لا يقارن أبداً بالكم الهائل للنقد الشعري، هذا على الرغم من أن الرواية تتبوأ مكانة كبيرة في أوساط الأدباء والمثقفين العرب وتعتبر من أهم فنون السرد. وبالعودة إلى بداية الشكل الروائي في العصور الوسطى فإن البدايات كانت من نقل الأخبار الحقيقية وسردها بأسلوب قصصي يجسد الشخصيات بأشكال بطولية تقترب من الأساطير حتى صارت إلى نموذج يسمى بـِ (الأحدوثة) عند العرب، وفي اللهجة الشعبية المصرية يطلق عليها (الحدوتة) والتي يرويها (الحكواتي) على أسماع الناس في المقاهي الشعبية وفي أماكن اجتماعات الناس، واستمرت تتطور شيئاً فشيئاً حتى بدأت تدخل في حيز الإسهاب والفلسفة في بنائها السردي، وجلب الأحداث من خيال الكاتب، إلى أن صارت على ما صارت عليه في يومنا الحاضر.
وقد سلطت الباحثة نورة المري، في رسالتها العلمية المقدمة لنيل درجة الدكتوراه في الأدب الحديث 2008م الضوء على بعض التعريفات للرواية، حيث ذكرت: «وقد تطور مفهوم الرواية من انطباع شخصي مباشر عن الحياة عند بول ويست في القرن الحادي عشر الميلادي إلى تعريف دانييل في القرن السادس عشر الميلادي عندما ذكر أنها تحليلات لمغامرات غرامية تكتب نثراً بصورة فنية، وفي القرن الثامن عشر الميلادي ذكر رولان أيضاً بأنها كتاب يجري تأليفه وفق أغرب المغامرات التي تنطوي عليها حياة البشر، إلى أن تصل إلى تعريف فيلمان وهيجل وسانت بوف الذين لا يفصلون الرواية في تعريفهم لها عن الشعر الملحمي القصصي وكأنها ملحمة تقدم للشعوب الحديثة، ونتج عن ذلك تعريف الرواية بأنها حقل تجارب واسع، وملحمة المستقبل، والوحيدة التي تحمل سير الأفراد والجماعات الحديثة، حيث لقي هذا التعريف الاهتمام الأكبر والعناية عند أصحاب المدرسة الكلاسيكية أيضاً».
ولأن للسرد مظهراً دلالياً وتركيبياً فإن المفكرين والأدباء يرون أن في مظاهر الرواية والبنية السردية انعكاساً واضحاً على الشخص والبيئة التي عاش فيها، فالرواية (وبالأخص الخيالية) تحتوي على أناس ومجتمع وتسلط الضوء على قضايا وأفكار واتجاهات ومذاهب فكرية وبالانفتاح الثقافي واتساع رقعة الحريات الأدبية التي كانت دوماً تقمع بمقص الرقيب صار في الرواية الكثير من الأفكار النقدية والفلسفية على قضايا حساسة وذات أهمية في المجتمع، ولدى أفراده، وهو ما يجعل المفكر الاجتماعي يرى أن في الرواية انعكاساً على البناء الاجتماعي للبيئة التي عاش بها الكاتب، بينما يرى المفكر السيكولوجي أن ذلك ليس إلا انعكاساً للحالة النفسية والصراعات التي تعتمل في نفس الكاتب، غير أن اللغويين يرون أن أدوات اللغة هي ما تعكس طبيعة وإرادة الكاتب واتجاهات الثقافية والفكرية، ذلك لأن اللغة تتأثر بالقراءات والمدارس. وفي تحليل للرؤى الفكرية والفنية للرواية وتطوراتها أشار الدكتور سلطان سعد القحطاني في كتابه «الرواية في المملكة العربية السعودية - نشأتها وتطورها» أن الرواية السعودية نشأت عام 1930م، حيث كان أول عمل روائي لـِ الدكتور عبد القدوس الأنصاري، وكان من العوامل المؤثّرة في نشأة الرواية السعودية التعليم والطباعة وظهور الصحافة في السعودية وما عنت به من نشر السرد القصصي، فضلاً عن ما واجههم من عواقب النشر ومقصات الرقيب.
عادل بن مبارك الدوسري - الرياض