عبد الله نواوي فنان في لوحاته وفي إنسانيته.. باع أغلى حاجياته ليخدم زميله
لا أدري من أين أبدأ الكتابة عن ضيفنا اليوم.. من باب العلاقة الشخصية كصديق، التي قد يفهم منها أنني أقدمه لهذا الأمر ولهذه الصداقة، أو أبدا من كونه فنانا حاضرا مساهما رائدا ومشاركا مهما في مسيرة الفن التشكيلي السعودي ،أو أبدا من عمله معلما ثم مشرفا تربويا ثم رئيس قسم التربية الفنية في الإدارة العامة للتعليم في جدة، قبل تقاعده.
ومع هذا التنوع في حياة مبدعنا عبد الله نواوي يمكن القول إن الحديث عنه كصديق وزميل مرحلة دراسية في معهد التربية الفنية وما تبع ذلك من تفان منه في مجال عمله ستجمع كل التفاصيل.
التقيته في معهد التربية الفنية منذ عام 90 ميلادي إلى أن تخرجنا من المعهد عام 92م كان من الحجاز وأنا من نجد وكما قال غازي القصيبي (نحن الحجاز ونحن نجد ) جمعتنا الدراسة من مناطق المملكة كون المعهد هو الوحيد على مستوى المملكة فكان بمثابة وطن صغير في حضن الوطن الكبير، ومع اختلاف مستوى الثقافة وكبر السن والتجربة بيني وبين الزميل الفنان عبد الله إلا أنه كان نعم الصديق بكل ما تعنيه الكلمة.
رجل مواقف ورجل عمل كريما صادقا مبدعا لا يبخل برأي أو بمشورة كسب محبة كل من تعامل معه ولا زال.
عالم من الخطوط ومزيج من الألوان
عاش الفنان عبد الله نواوي في أحضان الفن في مدينة لا تنام فيها اللوحات أو تهدأ المراسم والورش واقترب كثيرا من رواد الفن و بعشاق الإبداعات وليس هناك شاهد كشواهد المجسمات الفنية العالمية على كورنيش جدة بدعم من مهندسها الفارسي أمين جدة السابق، وصولا إلى بقية الرواد وفي مقدمتهم الفنان عبد الحليم رضوي وغيره.
قد لا نستطيع تحديد اتجاه الفنان عبد الله نواوي أو فصل ما نشعر به بين ما جمعه من المدرستين الانطباعية والتعبيرية وملامسته للتجريدة غير المبتذلة. وبحثه من خلال ما ينطبع على اللوحة من رموز لا تحدها مدرسة أو تقف عند صفة لأسلوب بقدر ما يكشفه لنا بحثه الجاد عبر الخطوط أو الألوان عن معنى جديد يأخذنا عبرة إلى عالم من التفاصيل التي تشكل الكل، بوهج من الانفعال في التعبير الجمالي يكتب بها جملة قوامها اللون ومرتكزها الخطوط تتكئ على قوة التعبير وصلابة القدرات التي يمتلكها الفنان ، جمل فلسفية بلورها اللون والشكل.
تجمع قيماً جمالية مصدرها الأرض والمجتمع..
يهتم الفنان عبد الله نواوي بالبناء المتكامل في اللوحة بحيث يمنحك فرصة تحليلها وقراءة معانيها من جميع الاتجاهات تبعث فيك الاندهاش والتجلي وجدانيا من خلال أحداث ومضات مشرقة يمزج فيها بين الماضي بلمحات من الحاضر مستشرف المستقبل ليعيدنا إلى القول أن الفنان نواوي لا يرضى أن يكون تابعا مطابقا للمدارس أو الأساليب الفنية بقد ما يسعى لخلق شكلا وموضوعاً فنيا معينا يخصه.
يوثق في كل لوحة مكانا و زمناً أكثر إيجابية وقربا من عقل ووجدان المشاهد يمنح فيه للمشاهد حالات من التكيف ومقاومة الشعور بالاستلاب تبعا لفلسفة الحياة المتمكنة من الذاكرة في هذا الزمن.
يتحدث من خلال عناصره وألوانه وسبل تنفيذ لوحاته كفنان بلغة العصر يسيطر عليه هاجس العلاقة بين الفنان والبيئة والتراث محتفظا بالقيم والتقاليد محترما المشاهد ومرتقيا بذائقته.
يعد الفنان عبد الله نواوي من الفنانين الملتزمين بمفهوم الفن الأخلاقي البحت.. عندما يجسد روح الإنسان وإرادته وتلاحمة مع واقعه ليتحول عمله الفني إلى مشهد مسرحي تبرز وتجلى فيه روح الجمال..
يختزل في اللون خيالاته او يعود لمختزله الباطني صورا وذكريات ومواقف ويضمنها المشهد على اللوحة إيماءات بخطوط تبدوا قاسية أحيانا وهادئة راقصة أحينا أخرى موحية ببداية لا تخلو من صور النهاية كما نراها نحن لكنها لديه سلسلة من القصص والروايات هذبها وحسن وأبدع في طرحها لكنه متمكن من كبح جماحها ومحددا لخاتمتها لتبدأ به أو يبدأ بها من جديد في عمل آخر.. في كثير من لوحات الفنان عبد الله نواوي يظهر الشخوص فيها كأبطال فلم سينمائي رجالا ونساء وأطفالا في حياة جسدها كحالات محرضة للارتقاء بالذائقة نحو مسافات أبعد في انعكاسات المشاعر لا يسمح للعين أن تستقر بقدر ما يمتلكك الكثير من المشاعر المتضادة المحببة لينقلك من عالم الشكل الثابت في اللوحة إلى عالم من الضجيج أحيانا وأحيانا الى هدوء رومانسي يدفع الوجدان للاسترخاء.
تداع واستحضار للذاكرة بين ما يقدمه الفنان عبد الله نواوي في لوحاته تعبيرياً صرفاً أكثر من أربعين عاماً تلاقح فيها الواقع مع الحالم بالحلم وبالألوان صور تجمع الذكريات الشاردة من دروب مضت إلى دروب قادمة. .
عندما باع بعضاً من حاجياته
أختم هنا بموقف لا ينساه من شهد عليه في زمن لا يتكرر إلا مع القليل في هذا الزمن، موقف يؤكد المقولة ( زمن الطيبين) حينما جاءه إلى الفنان عبد الله نواوي أحد الزملاء خلال دراستنا في معهد التربية الفنية من مدينة بعيدة خارج الرياض يحكي له ضائقته المالية ورغبته في السفر لأهله ولتغطية مستلزمات التربية العملية ( تطبيق ما تلقاه من المعهد في احد المدارس) لإعداد وسيلة إيضاح فما كان من الزميل الفنان عبدالله إلا أن أخذ بعضا من أعز ملابسه ( أكوات) تحمل رائحة الوالدين أكثر مما يعنيه ثمنها المادي الغالي و في فصل شتاء الرياض القارص وذهب بها إلى البطحاء (من أهم الاسواق في ذلك الوقت السبعينات الميلادية ) وسلم ما تحصل من بيعها لزميله لمساعدته للسفر وإكمال أموره. لم يكن ولن يرضى أن يذكر عنه هذا الموقف لكننا نتجاوز هذا الشرط منه لنعيد به ذكريات لا تزال عالقة في القلوب قبل العقول في معهد كان يجمع كل أطياف الوطن، حيث كان وطنا صغيرا في الوطن الكبير.
وحتى لا يعتبره البعض أمرا عاديا أوضح أننا كنا في تلك الفترة في ضيق مادي وشح في المكافات (300 ريال )يقتطع منها النصف مقابل تغذية والباقي لا يغطي تكاليف مستلزمات الدراسة التي تعتمد على لكثير من سبل التنفيذ من خامات وغيرها.
سيرة ومحطات
تجمع الزمان بالمكان
خريجو معهد التربية الفنية بالرياض 92هـ ماجستير عام 1401 من الولايات المتحدة الأمريكية نائب رئيس بيت التشكيليين في عام 1418، رئيس لجنة الفنون التشكيلية لجمعية الثقافة و الفنون بجدة
- أقام العديد من المعارض الشخصية داخل المملكة وخارجها شارك في جميع معارض الرئاسة العامة القسم الثقافي و كذلك جمعية الثقافة و الفنون
حصل على شهادات تقدير و جوائز مالية محلية ودولية ورشح لاختيار الأعمال المشاركة في العديد من المناسبات الثقافية السعودية التي أقامتها وزارة الثقافة والإعلام خارج الوطن كما مثل المملكة في مؤتمرات اتحاد الفنانين التشكيليين العرب قبل توقف عمل الاتحاد.
عمل مدرسا للتربية الفنية ثم مشرفا ثم رئيسا لقسم التربية الفنية في محافظة جدة.
كرم بعد تقاعده في حفل يليق بجهوده التعليمية.
- monif.art@msn.com