فهل فزت بما أردته من هذه الحياة؟
أنا فزت.. وما الذي أردته أنت؟
أن أرى نفسي محبوبا وأن أشعر بأني محبوب على هذه الأرض.
رايموند كارفر
في هذه المفازة الهائلة من الجحيم المسمى حياة نركض بأقدام معطوبة ونصف حافية ونسدد على أهداف متحركة وهاربة..نصيب ونخطئ وغالبا ما نصيب (إن أصبنا) الطرائد الخطأ.. فلا هي حلت لنا ولا نحن منحناها فرصة النجاة من ألم غير مبرر..ألمها هي وألمنا نحن ولنبدأ بعدها رحلة التداوي من ضرر قد حل.
القادمون الذين عادة يحضرون للعون دون طلب منا غالبا ما يقدمون لنا المناديل لا التعزية واللوم لا التفهم وعلى أسماعنا يعيدون كل مرة المتشابه من الكلام وقد نصاب منهم أيضا بعدوى الأمل حينها لا يعود لنا من خيار سوى لعب دور الطيبين والمدينين لهم فهل كسبنا أرواحنا إذ فعلنا؟ وهل من أجل ذلك كانت مشقات الحياة؟ ونخلف وعد الله فينا نحن إن فعلنا الله الذي خلقنا في كبد.
هم يغادروننا (وأعني القادمين) مع آخر فنجان, قهوة مسترقين منا وفي حين ضعف آخر أسرارنا وحميمة الذي خبأناه حتى عنا ثم يمضون ناثرين الوشايات التي لا تذهب بعيدا حتى تنبت أشواك الكلام وحكايات تلد أخرى ومن يصدقنا إن قلنا إنهم يتقولون علينا! لكننا نحن وهبناهم الأسباب إذا أردنا أن نكون الطيبين ومنحناهم فيض أرواحنا.
وليتنا مضينا شوطا آخر رغم الأشواك وليتنا أكملنا عدته ثلاثين إذ غم علينا وليتنا تركنا الظل يمضي عندما خاتل القدم وليتنا وليتنا وليتنا لأننا نعرف يقينا أنه ستحل اللحظة التي نقول فيها ليتنا كنا وكنا وكنا.. وسيكون كل شيء عصياً على العوض قبل الوقوع في فخ الاستجداء.
ومن أجل ذلك ومن أجل الهبات المشروطة التي لم تعد تغني وتسمن فقد رضينا طائعين ومختارين ألا نكون الطيبين مرة أخرى..الطيبون ينالون الثناء والتعاطف ثم يكون نصيبهم الخسارات.
ومدركون نحن وبحكمة أكبر (ربما) إلى أين نمضي الآن ومدركون أيضا أننا لم نكن يوما أولئك الملائكة التي تتجول في الطرقات ولم ندع أبدا أننا الحرف الرابض بين اللام والنون.. نحن كنا وسنظل الطريق الناهد نحو خارطة الضياع.
(أن أرى نفسي محبوبا وأن أشعر بأني محبوب على هذه الأرض) لم تعد تكفي للنجاة من عالم يتغول والطيبون لا يكسبون دائما في فضاء يزوَر حتى الذكرى.
وإذا ما تنكرت لاحد منكم بعد اليوم.. للعصافير التي أطعم كل فجر.. للورق الأبيض ولقهوتي.. وإذا ما تنكرت العين لكحلها وغادرني سرب الكلمات فاطمئنوا, لقد عدت لرشدي وتعافيت من وهم أن أُحب أو أكون محبوبا وقميصي قد من قبل وعلى الطيبين الرائعين الذين لست منهم السلام.
و(حزني لي: الشيء الوحيد المتبقي لي من دون شك.. لماذا يتعين علي التخلي عنه؟).. هكذا تقول.
(أناندا ديفي) وأنا أقول أن هذا الحزن ضرورة كبرى هذا الحزن الذي ولد معي وكبر الذي قاومت كل محاولة للتخفيف منه وهو الوحيد الذي لن يخذلني أبدا ولن يطمع فيه أحد.
ومرة أخرى وفي هذه المفازة الهائلة من الملامة نعاود الركض ودون مطايا عدا وحشة الروح ولقد وهبنا كل شيء لله.
عمرو العامري - جدة