إذا كان بإمكان تعليم الناس الكراهية فبالإمكان الحب أيضا، خاصة وأن تعليم الحب أقرب لقلب الإنسان.
نيلسون مانديلا
أكتب اليوم وعلى غير العادة وأنا خائف أترقب، أكتب وأنا تلفت لأني ما عدت أعرف مصدر الخوف ولأنه يحيط بنا ولأنه أيضا يكبر معنا وبيننا.
وعلى غير ما اعتدت فلن أكتب اليوم عن الحب والحزن والخيبات.. الكتابة عن هذه الأشياء ترف ونحن بين أن ننجو أو لا ننجو. والداء يفتك بالمدينة ولا نذير ولا ملاذ وحتى الأطباء مصابون بهذا العطب.
لقد اعتدنا عندما ينتشر مرض وافد في المدينة أن لا يصيب سوى الفقراء والضعفاء ومحدودي المناعة واعتدنا أيضا أن تنكر الجهات الرسمية وجود المرض في البدء أو تهون من شأنه ثم تبدأ الاعتراف المتأخر عندما يخرج الموضوع عن السيطرة ويغدو العلاج متعذراً ومتأخرا جداً.
لكن هذا الداء يصيب الكل، فقراء وأغنياء ولا ملاذات منه حتى للساجدين الركع في المساجد ودور العبادات و»الكراهية» و(هذا هو العطب) يقيم في الصدور والعقول وفي المرويات والمنقولات وكيف ننجو مما يقيم فينا وكيف ننجو مما لسنا قابلين للاعتراف به.؟
داء الكراهية الذي يفتك بنا اليوم ليس وليد اللحظة ولا حتى الأمس لكنه الآن تغول أكثرحتى تجاوزنا وغدا بضاعتنا وما يراه العالم منا أو ما يظنه بنا ونحن ننكر ولكن إلى متى ننكر؟.
وكيف ننكر والتفجيرات تدك المساجد وبيد أبنائنا والصلوات تقام تحت حراسة البنادق؟ وكيف ننكر وفعاليات الثقافة والشعر والفرح لا تنجو من المنع والمطاردات ؟وكيف ننكر ولم تقام بهجة فرح منذ سنوات ومن أين يستنبت الفرح إذاً وكيف؟ .. ولم لا تزهر الكراهية في مجتمع يرى في عقيدة ومذهب الآخر دونية وضلال..ولم لا تزهر في مجتمع يحكم على شاعر بالقتل من أجل قصيدة ويجلد آخر لأنه اختلف معنا وتشرع فيه الكراهية ولا تجرم؟.
الكراهية هذا الداء الوبيل يتجول في صفحات كتبنا مدارسنا منابرنا مجالسنا مناهجنا أما أدوات التواصل الاجتماعي فلم تعد سوى محاضن تفرَخ وترعى وتوزع وتبشر بهذه الكراهية وتفتخر بها ومن خلال أسماء أساتذة وأكاديميين وطلاب في معاهدنا ثم نتساءل من أين جاء هذا الفكر الضال.؟
والكراهية التي نحاول التنصل منها والتي نحاربها بشراسة ليست أفراداً ولا جماعات ولا منشآت ولا رؤوس نصل لها..الكراهية فكر نرفض المساس به وثقافة نبشر بها وطاعون نظن عن وهم أنه سيصب الآخر وسننجو وأننا في مأمن رغم أن التفجيرات التي وصلت حتى مساجدنا فما الذي ننتظر؟. هذا الطاعون الذي ننكر اليوم والذي يطال الآخر يعزوه البعض إلينا ويؤشر باتجاهنا ولديه دلائل في ما يدعي..وهذه الأصوات ما زالت قليلة لكنها تتزايد وخجولة لكنها ستتعاظم واليوم ندحضها ونفندها ونتجاهلها فهل نستطيع أن نفعل ذلك غدا أو بعد غد..أم ننتظر العالم ليملي علينا ما نفعل وحينها سيكون الثمن قاسيا جداً ومتأخر جداً أيضا.
ونحن ضحايا الإرهاب لكننا لا نفعل ما يكفي (فكريا لاجتثاثه) والشامتون الذين نقرأهم على أدوات التواصل مبتهجون بما يحدث للعالم جراء هذا الإرهاب والتعاطف مع الجناة مخيف جدا ومن هذا الذي يفرح أو يبتهج بقتل طفل أو تفجير مدرسة أو طائرة مسافرين في الفضاء؟.
وأنا حقا خائف والطاعون يطرق أبوابنا وما زلنا نصمت أو نعلل وكأن الكراهية ستعيد لنا حقوقا ضيعناها بأيدينا وكأن العناد والتجاهل سيجعل كل حياتنا مرح ويهبنا تقدير العالمين.
عمرو العامري - جدة