القرضاوي ينتقد المد الشيعي بعنف في حوار مع صحيفة المصري اليوم
وقوبلت سلسلة تصريحات القرضاوي ضد الشيعة في الفترة 2006-2008، بقليل من الجدل في مصر وأماكن أخرى. ولذلك فمن غير الواضح لماذا تولد جدل إخواني ساخن بسبب تصريحات القرضاوي في مقابلة له مع صحيفة المصري اليوم (*) في سبتمبر 2008 (36)، حيث انتقد مرة أخرى جهود إيران التبشيرية (37). وفي تلك المقابلة، انتقد القرضاوي أولاً الدعاة (...) لتعصبهم، ومن ثم هاجم الشيعة. وزعم في تلك المقابلة أن الشيعة يمكن اعتبارهم من المسلمين، ولكنهم «مبتدعون». وجادل أيضاً أن الشيعة يهددون المجتمعات السنية من خلال محاولة اختراقها، ودعا السنة إلى الدفاع عن مجتمعاتهم ضد غزو الشيعة. وبالإضافة إلى ذلك، سرد القرضاوي نقاط الاختلاف بين السنة والشيعة. ولكن هذه المرة، كان هناك رد فعل إيراني عنيف على مقابلة القرضاوي، ما أدى لأن يزيد هذا الشيخ السني البارز هجومه وذمه لإيران فحسب. وهذا -بدوره- تسبب في نزاع أكبر من ذلك بكثير بين علماء الدين في مصر وأماكن أخرى في المنطقة. ودعم العديد من علماء أهل السنة القرضاوي واستنكروا ما اعتبروه حملة إيران لتحويل أهل السنة إلى المذهب الشيعي. ولكن انتقده علماء سنة آخرون لإثارة قضية غير موجودة في المقام الأول بزعمهم.
...وانقسام إخواني حول آراء القرضاوي
وداخلياً، انقسمت فروع جماعة الإخوان المسلمين في جميع أنحاء المنطقة بشكل حاد حول ما إذا كان يجب أن يقفوا إلى جانب القرضاوي في هذا النزاع أم لا. العديد من فروع الإخوان والعلماء انتقدوا النفوذ الإيراني في مجتمعاتهم، والتفوا حول القرضاوي بشكل طبيعي ومتوقع. وعلى سبيل المثال، اشتكى المراقب العام لجماعة الإخوان السورية، علي صدر الدين البيانوني، من أن إيران تسعى إلى نشر التشيع في كل مكان في العالم الإسلامي، مضيفا أن سوريا استهدفت بشكل خاص لنشر التبشير الشيعي بسبب تحالف إيران السياسي مع النظام السوري. وأضاف البيانوني أن المشروع الإيراني لنشر التشيع، والنفوذ الإيراني في سوريا يشكل خطراً واضحاً ليس بالنسبة إلى المجتمع السوري السني فحسب، ولكن لجميع الدول في المنطقة (38).
ونُقل أن فرع الإخوان المسلمين في إيران نفسها المسمى بـ «جماعة الدعوة والإصلاح»، ساند القرضاوي وانتقد كلاً من محاولات نشر التشيع الإيرانية وجماعة الإخوان «المصرية» لدعمها إيران وفشلها في إدانة معاملة إيران السيئة لمواطنيها السنة (39). وانتقد المراقب العام لجماعة الإخوان الأردنية، الشيخ همام سعيد، بعض معتقدات وممارسات الشيعة، مثل عصمة الأئمة وسب الصحابة. واستنكر كذلك ما اعتبره طموحات توسعية للشيعة وتنبأ أن التقارب بين السنة والشيعة لن يتحقق (40). وساند راشد الغنوشي، الداعية الإسلامي البارز والمنظر الأيديولوجي لحركة النهضة التونسية الإخوانية، تماماً مواقف القرضاوي (41).
ولكن دافع إخوان آخرون عن إيران والشيعة. لقد سعت القيادة المصرية لجماعة الإخوان المسلمين على الدوام لتجنب التورط في الجدل السني/الشيعي وقللت من أهمية جهود الشيعة لنشر التشيع باعتبارها هامشية (42). وادعت كذلك أن الصراع بين السنة والشيعة يتم بتحريض من الولايات المتحدة كوسيلة لتقسيم المسلمين؛ كما جادلت قيادة الجماعة الأم بأنه يجب أن يتوحد السنة والشيعة لمواجهة «المشروع الصهيو-أمريكي الذي يسعى إلى القضاء على الإسلام» (43). وخلال حرب لبنان عام 2006، أعلن المرشد العام محمد مهدي عاكف، أن حزب الله قاد المقاومة ضد إسرائيل بنجاح، وبالتالي فإن جماعة الإخوان تعترف بقيادة حزب الله لهذا النضال. وشدد عاكف أن الخلافات بين السنة والشيعة، يجب تعليقها حتى ما بعد نهاية معركة العرب مع العدو الصهيوني المشترك واستعادة جميع حقوقهم، وذلك لأن تلك المعركة يجب أن يكون لها الأولوية على أي قضية أخرى (44). وأضاف عاكف أيضاً أنه يؤيد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بسبب جهوده الحثيثة لمقاومة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط (45).
عاكف يوبخ القرضاوي: لا يوجد اعتراض على التوسع لأن هناك 56 دولة سنية مقابل دولة شيعية واحدة فقط!!!
وبعد مقابلة القرضاوي عام 2008، في «المصري اليوم»، وبخ عاكف القرضاوي بعنف وبصورة غير مباشرة قائلاً إن كل من يتحدث عن أجندة إيرانية لاختراق والسيطرة على المنطقة يتحدث بلغة أعداء الأمة الإسلامية (46). وأعلن عاكف أيضاً أنه ليس لديه اعتراض على النوايا التوسعية الشيعية، لأن هناك 56 دولة سنية مقابل دولة شيعية واحدة فقط هي إيران، وليس هناك شيء يدعو إلى أخوف منها (47).
... والدكتور محمد حبيب
يهاجم القرضاوي:
«أيهما أولى بالتحذير: الخطر الإيراني.. أم الخطر الصهيوني؟»
ورد نائب عاكف الأول، الدكتور محمد حبيب، أيضاً على تصريحات القرضاوي قائلاً: «أيهما أولى بالتحذير: الخطر الإيراني.. أم الخطر الصهيوني؟ هناك أولويات يا دكتور قرضاوي؟» (48). ربما لا شيء يمكن أن يخدم إيران بصورة أفضل من حقيقة أن الدفاع عن الشيعة، والنداء لوقف الجدل بين السنة والشيعة وإلى رص الصفوف المسلمة، قد خرج من الرفاق السابقين للقرضاوي نفسه لا بل تلاميذه؛ فعندما قال محمد حبيب، النائب الأول للمرشد العام بسخرية: «هناك أولويات يا دكتور قرضاوي» كان يشير إلى الفكرة الرئيسة في كتاب القرضاوي المهم «فقه الأولويات». لقد وضع معارضو القرضاوي بوضوح نظاماً للأولويات السياسية يتعارض مباشرة مع أولويات القرضاوي الذي علمهم «فقه الأولويات»! وخلافاً له، أعطوا الأولوية للكفاح ضد «المشروع الأمريكي الصهيوني» أكثر من أي خلافات قد تكون لديهم مع إيران والشيعة.
انقسام شيوخ السلفية السعودية حول الموقف من حرب حزب الله ضد الإسرائيليين
هذه المعضلة بشأن أي صراع يستحق الأولوية -الصراع مع إسرائيل أو مع الشيعة- ليست فريدة من نوعها لدى جماعة الإخوان؛ فخلال حرب لبنان عام 2006، انقسم شيوخ السلفية السعودية حول ما إذا كان يجب على المسلمين دعم حزب الله ضد الإسرائيليين. شيخ «الصحوة» البارز سلمان العودة دعم حزب الله ورفض فتوى الشيخ ابن جبرين المضادة لحزب الله. ويمكن القول إن موقف الشيخ العودة يعكس تأثيراً إخوانياً على جيله من مفكري السلفية السعودية. أما بالنسبة إلى مسألة الاختلافات العقائدية بين السنة والشيعة، فقد كان موقف الإخوان المسلمين السائد هو أن الشيعة مسلمون على العموم، وأن الخلافات بين السنة والشيعة تتعلق بالمسائل الفقهية التي تعتبر ذات أهمية ثانوية، وليس في مسائل العقيدة (49). ولكن هذا الموقف العام الذي كان ذات مرة هو موقف القرضاوي نفسه أيضاً، أصبح غير كاف في ضوء الجدل حول نشر التشيع وهجمات القرضاوي على المعتقدات والممارسات الدينية الشيعية. وقد برز نقاش داخلي يعكس الانقسام العميق داخل الجماعة بشأن هذه المسألة.
سجال صحفي بين ندا وغزلان.
يوسف ندا: لا فرق بين السنة والشيعة
وقد ظهر أحد جوانب هذا الجدل في مقالة (50) نشرت على الموقع العربي الرسمي لجماعة الإخوان المصرية (إخوان أونلاين) بقلم يوسف ندا، وهو مسؤول رفيع في الإخوان. ندا هو في الأصل من أسس علاقات الإخوان مع النظام الثوري الإيراني في عام 1979، وحافظ ندا على علاقات وثيقة مع شخصيات بارزة إيرانية منذ ذلك الحين. وفي مقالته، قلل ندا من الخلافات بين السنة والشيعة وفند العديد من الانتقادات الموجهة من السنة ضد الشيعة. وقال ندا إن موقف جماعة الإخوان المسلمين هو أن الشيعة الاثني عشرية معترف بهم كمذهب خامس للفقه الإسلامي، وأنهم يختلفون عن المذاهب السنية الأربعة الأساسية في الإسلام في مسائل الفقه وليس العقيدة، وهذه المسائل الفقهية تعتبر ذات أهمية ثانوية، وتمثل مصدراً للخلاف بين المذاهب السنية الأربعة كذلك. ولوحظ أن ندا لم يشر إلى جهود إيران لنشر التشيع في المنطقة.
... ومحمود غُزلان يعترض على ندا ويهاجم الشيعة
ورد على مقالة ندا الدكتور محمود غُزلان، عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين وهو أعلى هيئة تنفيذية تحت المرشد العام (51). واتهم غزلان ندا بتبرئة الشيعة من الأخطاء العديدة التي نسبت إليهم بإجماع آراء علماء السنة. كما اتهم ندا بتشويه موقف الإخوان من الشيعة. وقال غزلان إن «الاحترام الشعبي» الذي حصلت عليه إيران في جميع أنحاء المنطقة بسبب قيادتها المقاومة ضد الغرب شجعها لمحاولة زيادة تغلغلها وهيمنتها في دول المنطقة من خلال نشر التشيع. وأضاف أن الهدف من هذا التبشير الشيعي هو تحويل التضامن «السياسي» الشعبي مع إيران إلى ولاء أعمق وانتماء ديني. وهذا هو ما دفع الشيخ القرضاوي لمهاجمة الشيعة. «نحن» -كتب غزلان- «نتفق مع جوهر نقد القرضاوي للشيعة. الإخوان يفضلون عدم الدخول في جدالات دينية من أجل الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية، لكن يجب على إيران احترام هذا التوجه أيضاً وليس استغلاله لنشر التشيع».
بعد هذا التراشق بين ندا وغزلان، تدخل المرشد العام عاكف في هذا النزاع الإخواني الداخلي قائلاً: إن مقالة ندا تمثل وجهة نظره الشخصية وليس الجماعة. ولكن في الحقيقة، كانت آراء ندا تعكس وجهات نظر العديدين من داخل قيادة الإخوان، وقيل إن عاكف كان في الواقع وراء نشر مقالة ندا، لمواجهة معارضة بعض أعضاء مكتب الإرشاد له (52). ومع تواصل هذا الجدل، اتهم ندا غُزلان بتبني منهج تكفيري تجاه الشيعة (53)، وجادل غُزلان أن جميع أعضاء مكتب الإرشاد قد رفضوا موقف ندا (54). وتدخل عاكف مجدداً معلناً أن كلاً من ندا وغزلان كانا يعبران عن آرائهما الشخصية وكلاهما لا يعبران عن رأي مكتب الإرشاد (55). ومن الواضح تماماً، أن مكتب الإرشاد نفسه كان منقسما بشأن هذه المسألة.
الإخوان وأزمة النظام الإيراني الداخلية
ومع تفاقم هذا السجال الإخواني الداخلي بخصوص نشر إيران للتشيع في الدول السنية العربية، قادت حكومة إيران حملة قمع داخلية في أعقاب الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو 2009، ما ولد المزيد من الخلاف وشكل معضلة أخرى داخل جماعة وقيادة الإخوان المسلمين. وبروح التضامن الإسلامي، فإن قيادة الإخوان ربما لم تكن تفضل أن تنتقد النظام الإيراني. ولكن اتخاذ موقف الصمت بينما تُنتقد الحكومة الإيرانية في كل مكان آخر في العالم لقمعها القاسي للمعارضة السلمية الداخلية، جعل خيار صمت جماعة الإخوان صعباً على نحو متزايد. إضافة إلى ذلك، لو ظلت قيادة الإخوان صامتة، فسيعتبر موقفها علامة تؤكد حجج خصوم الإخوان بأنها ليست ملتزمة حقاً بالانتخابات النزيهة والديمقراطية.
** ** **
هوامش:
(*) انظر نص الحوار الكامل في ملاحق الكتاب. (العيسى)
ترجمة وتعليق: حمد العيسى - المغرب
Hamad.aleisa@gmail.com