يحتل المصدر مكانة جليلة في كلام العرب وله وقع في الحس أثناء وروده في مطلق الكلام وتقييده لا سيما أنه اسم قائم بذاته دال على حصول حدث ما تجرد عن الزمان.
ولهذا نجد كثيراً من القوم.. اليوم.. أولئك الذين يبحثون أو يحققون أو يكتبون المقالات لا يراعون حقيقته وفعله بل لا يلتفتون إليه.
فهم يجعلونه مثل المفعول له.. أو المفعول لأجله فيقع تغيير في النسق المراد إيصاله إلى المتلقي فلا يدري هذا مراد المتكلم أو مراد الكاتب قلت قبل هذا من المجلة الثقافية عدد 457 من يوم السبت 12-3-1436هـ فيما ألمحت متحدثاً عن (الوقف) قلت في: ص 16 (فإن نقد التأليف في اللغة اليوم إنما يتطلب جهود وزارة الثقافة والإعلام، وكذا: الجامعات الشاعرة بالمسؤولية والنوادي والهيئات العلمية والأدبية على حد سواء)، وجاء أيضاً هناك: (وليس بعيداً توجيه اللوم على (المجلات المحكمة) ودور النشر.. الخ.
كله ذكرته وأوردت مثله مع أمثلة كثيرة محققة في كتابي (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين) ص1.
ومكمن القول فيما يمكن قوله هنا هو مكمنه فيما يمكن فهمه على كل حال ذلك أن أصل العلم لا يكفي فيه التلقي ومجرد الحفظ أو مجرد الفهم العام لخطاب النص.
كانت اللغة وكان الحديث وكانت أصول وقواعد العلم تتلقى بسداد فهم دقيق خاص لكل علم ولكل نص مدون يكون فيه العقل قد بلغ الغاية من الشعور بالمسؤولية تجاه تبليغ العلم بفهم سديد ورأي رشيد بعيداً عن الحفظ اللهم ما يوجبه ضرورة حفظ فلابد منه لحفظ عامة قواعد العلم والرواة في الأسانيد وطبقات الجرح والتعديل ومعرفة أحوال رواة الآثار وإلا ما لابد منه أيضاً وذلك فيما لا يصح إلا أن يكون كالتجديد وآلياته.
وضوابطه في سياسة سياق فهم وضع القواعد في وضعها الصحيح، وهذا ما كان قد حذر منه كبار العلماء خلال القرون الأول إلى السابع فتدبر، فكيف يلام مثلي وقد رأى تخبطاً ما كان يجب أن يكون.
ما كان يجب أن يكون وإلا فكيف يعرب المصدر على أنه حال؟
أو يظنه البعض تمييزاً؟
أو يدون على أنه مفعول به؟
أو هو مفعول لأجله؟
والمصدر كما جاء آنفاً: اسم دال على حدث تجرد من صفة الزمان، إذاً ليس تمييزاً ولا ليس حالاً وليس مفعولاً وإن شئت فلا يكون: ظرفاً، أنصت لأي محاضرة لأي مداخلة تكون أو إن أردت إقرأ ما شئت من كلام فسوف تجد شيئاً يلفت النظر إن كنت من ذوي الاستعداد العلمي أو اللغوي ناهيك إن لم تكن من ذوي الاستعداد أن تكون ممارساً بحكم كثرة الاطلاع.
التهاون.. والتجاوز.. يجران إلى: السكوت عن شيء ما يحسن أن يكون لا سيما في أساسيات العلم وقواعد اللغة.
لم تدم الحضارة في العهود المتعاقبة إلا بفضل الله تعالى ثم الحفاظ على أصل هذه الحضارة العلم، والعلم وحده بناء وشجرة وارفة تغذي الأجيال: بثمارها.. بظلها.. برائحتها، بمركزها علماً يهتدى للوصول إلى سوامق البقاء وحفظ البيضة.
والمصدر أصل في اللغة، أصل في النحو، أصل في البلاغة.
وإذا كان كذلك فلك أن تقرأ القرآن أو السنة الصحيحة أو ما شئت من شعر العرب وأمثالهم فإنك لن تدرك كثيراً من المرامي والمعاني والدلالات إلا إذا ألممت بشيء كثير من هذا العلم وذاك وهذا كله مما يدرك ويعلم بالضرورة كان المسلمون في الأصقاع كافة في البلدان كلها يعلمون أبناءهم ومن حولهم أمرين جليلين (الأخلاق.. واللغة)، بل إن كثيراً ممن يشعرون بالمسؤولية تجاه هذه الأمة منذ القرن الأول يؤكدون على هذا جل التأكيد لا يحيدون عنه طرفة عين..
وقد يكون الشاعر جليلاً قديراً في شعره فخيماً يقوي في شعره (الاقواء) يسقط من العين حتى يستقيم شعره على قافية واحدة صلبة بعيداً عن التكسب وعن الهجاء المذموم وبعيداً عن التزلف إنما يدور شعره حول التجارب والحكمة والأمثال ومثل ما يقع في اللغة يقع في النحو والبلاغة وأجل حظراً ما يقع من كثير من العلماء في كثير من الفتاوى.. أو الدروس.. أو المحاضرات، وكنت قد نبهت إلى هذا ولقي هذا ترحيباً جيداً في حينه لكن ومع هذا ينقل إلي في المجلس العلمي الخاص كثير مما يحصل وهذه أمثلة تغني عن كثير مما يمكن إيراده في سبيل مقيم.
يقول أحد طلاب العلم:
1- (وهذا مذهب الجمهور على هذه المسألة)
أي جمهور أراد؟
هل هم المحدثون..؟
هل هم الفقهاء..؟
هل هم المفسرون..؟
وجاءت مناظرة علمية أسفت كثيراً كثيراً.
2- على حصولها لكن مما ورد فيها قال أحد العلماء (وهذا دون شك أصح القولين).
أصح القولين عند من..؟
أين دليلهم..؟
من ذكر هذا؟
3- وجاء هناك:
هذا الذي أرجمه.. هذا رأي) طيب أين أدلة الرأي الآخر؟
أين تعليلهم؟
على أي أساس اجتهدت؟.
4- وجاء كذلك:
(أترك عنك هذا يا رجل هذا الحديث منسوخ).
لماذا لم يذكر الناسخ ما دام الحديث هذا منسوخاً..؟
وجاء أيضاً:
5- (هذا قال به جمهور الصحابة).
من هم الجمهور؟
وما حد تعريف الجمهور؟
أين ما ذهب إليه الصحابة الآخرون؟
أين أدلتهم؟
أين التعليل؟
من ذكر هذا من المتقدمين؟
أرأيتم الغلبة في الحوار في المناظرة؟
إنما جاءت بسبب الإلزام بطريق ذكي لكنه لا يفوت على المشاهد لا ولا على المستمع كذلك..
وهاهو واعظ جيد له حضوره الجيد كذلك كان قد ألقى درساً لا بأس به فمما قال هناك بحسب الشريط:
6- (أيها الإخوة الكرام هذا ما جاء عند الشاطبي وابن قدامة المقدسي).
ماذا جاء هناك؟
فبعد أن تحدث عن أصل طهارة الماء قال هذا).
وما دخل الشاطىء في هذا؟
وأين أجده عنده في الموافقات؟
أما ابن قدامة فقد ذكر هذا بواسع من الطرح وقال:
(وقد جاء في الحديث من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له).
أين الحكم على هذا الحديث؟
لماذا لم يبين درجته؟
والحديث ضعيف بل قال كثير من الحفاظ هو: باطل.
لكن الذي يأتي الفواحش والمنكرات لاشك أنه آثم ما بين كبيرة وصغيرة حسب الذنب وصحيح أن الصلاة التي لا تؤدى بشروطها وأركانها وواجباتها إنما هي عادة وليست عبادة وكان يغنيه جداً ذكر هذا دون ذكر هذا الحديث.
فكان كلما جاء بنصيحة أورد آثاراً ثم قال: (والمعنى صحيح) ومتى كان الأثر صحيحاً إذا كان المعنى صحيحاً..؟
فقد يكون المعنى كذلك والأثر ضعيفاً فلا يكون حجة.
ولهذا أنبه كافة الباحثين وطلاب العلم وعامة المثقفين ألا يتكلوا على المعاني ولا يحرصوا على الاجتهاد هكذا فكل شيء له ضوابطه وآلياته لا سيما ضخامة العقل وضخامة الاطلاع وسعة البطان وصدق التجرد وتمام العدل.
- الرياض