ظلت ثقافة الشعوب الخليجية خلال العقود الستة الماضية متعلقة بمفاهيم الاقتصاد الريعي، وبمقومات سلعة واحدة محددة هي النفط. وبالرغم مما قيل في ندوات، وكُتب في كتب ومدونات، وناقشته المجالس الشعبية والرسمية في دوائر الاقتصاد العامة والخاصة عن الخطط المستقبلية لنفاد هذه السلعة من باطن الأرض، أو استغناء اقتصادات العالم عنها في المستقبل، أو إيجاد بدائل من الابتكارات التي اعتاد العالم المتقدم على الإبداع فيها؛ إلا أن شيئاً ذا بال لم يتغير في معظم تلك البلدان.
يعتقد بعض المحللين أن فكرة قمة الإنتاج النفطي العالمي، وبداية الانحدار فيه لم تعد قائمة أو مفزعة للاقتصاد العالمي، بسبب طرح عدد لا بأس به الآن من الوسائل التكنولوجية لاستخراج النفط غير السائل من بعض مصادره الطبيعية، مما شكّل مصدراً جديداً أصبح يطلق عليه النفط الصخري. وذلك يضاف إلى قائمة البدائل الأخرى للطاقة؛ سواء كانت من مواد بيولوجية، أو من مصادر الطاقة النظيفة، كالشمس والرياح والكهرباء بديلاً من الطاقة الإحفورية في الآليات المتحركة.
فلماذا لم نهتم بكل تلك الوسائل التكنولوجية والمبتكرات في هذا الشأن، ونحن تقوم حياتنا واقتصادنا على توفير الطاقة للاقتصاد العالمي؟ فكأن كل هذه التطورات لا تعنينا إلا في نقل الأخبار عنها، وربما مناقشة بعض المستجدات التي توصل إليها المبتكرون في هذا الشأن. فالبلدان الخليجية عامة، والسعودية على وجه الخصوص، بحاجة إلى الاهتمام بهذه القضايا على ثلاثة محاور: الأول المحور العلمي بوصفها علوماً تُعنى بالطاقة، التي هي العصب الرئيس لاقتصادات الخليج، وبصورة خاصة في الجامعات التي أنشئت للاهتمام بعلوم الطاقة والمعنية بالمستجدات العلمية كجامعة الملك فهد (التي كان اسمها الأول كلية البترول والمعادن) وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا؛ والثاني المحور السياسي لكون القرارات المتعلقة بمستجدات الطاقة من القضايا المصيرية في هذه البلدان، لذا كانت متطلبات التحضير لتلك القرارات مهمة تحتاج إلى مداولة مستقبل كل من تلك الوسائل، وأخذ كل التكنولوجيا المرتبطة بها على محمل الجد؛ والثالث المحور الإعلامي التثقيفي، وهو لا يقل أهمية عن المحورين السابقين، لأنه يبين الأهمية البالغة لمتابعة كل ما يتعلق بمصادر اقتصادنا الرئيس، من أجل أن يدرك الناس بصورة عامة أهمية التحولات من جهة، ومن أجل أن يُقبل بعض الدارسين على دراسة هذه التخصصات، التي لا تجتمع في قسم علمي واحد، بل على متعلميها أن يكونوا قادرين على متابعة بعض النواحي العملية الأخرى بعد دراساتهم المتخصصة، والعمل كذلك في شركات ومؤسسات مختلفة من العالم. كما يلزم أيضاً دعم مثل هؤلاء الشباب الطموحين، بإعطائهم الأولوية في التدريب والتعيين في المراكز الاستشارية المهمة، بدلاً من بعض من يرددون كلاماً تقليدياً قيل أو كُتب قبل عشرات السنين.
الاستثناء الوحيد في منطقة الخليج هو ما قامت به بعض الإمارات في كل من دبي وأبوظبي بطرق مختلفة؛ فالأولى اهتمت بمصادر الاقتصاد البديلة للنفط، فحوّلت كثيراً من مواردها العامة لاستقطاب السياحة والتجارة الدولية، وقامت بإنشاء شركة طيران ناجحة جداً، كما استثمرت في صناعة النقل الجوي، فأعدّت مطارات عالمية تؤهلها أن تكون بديلاً لبعض المحطات الآسيوية مثل هونج كونج أو سنغافورة. أما أبوظبي فقد استثمرت في طريق آخر لبدائل الطاقة الكربونية؛ فأنشأت مدينة «مصدر» التي نجحت في المنافسة العالمية، لتكون مقراً للطاقة النظيفة. وهي تسعى بكل قوة، لتصبح في مقدمة من يملك الوسائل التكنولوجية الحديثة لاستخلاص الطاقة المتجددة، كما سعت إلى شراكات عالمية في مجال البحث المتخصص في هذه التطبيقات. فهل تقتدي بهم بلدان الخليج الأخرى؟
- الرياض