الثقافية - خلود العيدان:
بدأت الحكاية عندما قرر أبناء الأديب والكاتب الأستاذ أحمد بن عبدالله الدامغ رحمه الله 1351-1435هـ إهداء مكتبته الثرية إلى مكتبة البابطين بروضة سدير مسقط رأسه، ليفاجأوا برسالة أدبية بخط يده في أدراج مكتبته - التي وفقاً لأبنائه - تحوي أكثر من سبعة عشر ألف كتاب منها أكثر من ألفي ديوان ومختلف المعارف والعلوم الأخرى، موجهة إلى الدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير للشؤون الثقافية بعنوان «الأدب المستحسن في رسالة إلى أبي يزن»!
المتصفح للكتاب سيقرأ فاتحة الحكاية بإهداء أبنائه متبيناً أن عمرها يقارب ست عشرة سنة ، وبانتقال القارئ للـ(توطئة) يفك أسرار بقية اللغز! حيث أجاب الفقيد فيها عن بقية الأسئلة راوياً قصة الكتاب بحروفه لأبي يزن:
«لما قررت كتابة رسالة أدبية إلى من يجل ذكره عندما يدور الحديث عن أدباء بلادنا المعاصرين، أجريت قرعة على أسماء أدباء قائمة لا بأس بها من حيث عدد الأصدقاء الأدباء فخرج اسمك الكريم بالقرعة» مخاطباً إياه بكنيته في جميع مقاطع الرسالة التي استشهد فيها رحمه الله بألف بيت تقريباً!
حررها رحمه الله في الثالث من شهر رمضان المبارك عام 1419هـ الموافق 21 ديسمبر 1998م ووضع نقطة النهاية لرسالته في الثالث من جمادى الآخرة 1420هـ لتصلنا اليوم بـ 150 صفحة و75 مرجعاً، ثرية غنية بمواضيع متنوعة عنونها بـ: مكانة الرسالة الأدبية في نفوس الأدباء، ارتباط مقومات الحياة ببعضها، أدب الثقلاء في نظر الأدباء، الهروب من المداخلات العقيمة، من الحديث عن الذات إلى أعذب الأبيات، كيف يكون الأديب أديباً، الغضب من مهنة الأدب، ونقطة النهاية...
أحمد الدامغ، هو الذي وصفه الأستاذ حمد القاضي بمن «عاش للكلمة والبحث والشعر والتراث معتكفًا بمحرابها مخلصًا لها»، وقال عنه الأستاذ عبدالله أبابطين «عرفته الساحة الأدبية منذ عشرات السنين وألّف العشرات من الكتب في الشعر والأدب والتاريخ وهو صاحب قلم قل أن يوجد مثله سواء في عذوبة الأسلوب أو نقل الفكرة».
و«كانت له عناية خاصة بالتراث الشعبي وقد وثق الكثير من الموروث الشعبي بجهوده الشخصية ولولا تدوينه لهذا التراث الشعبي لضاع واندثر، وأعظم مثال على ذلك الموسوعة من الشعر النبطي في وادي الفقي الذي كابد فيه – رحمه الله – المشاق والمتاعب ملاحقاً الرواة والأخباريين والقصاص وأهالي سدير من أجل جمع ولم شتات ما تكنه صدورهم من مادة شعرية وروائية، وقد مكث من الزمن ومعه آلة التسجيل تصاحبه أينما كان في منطقة سدير فضلاً عن القلم والأوراق التي بيده، وجسد عمله هذا ومشروعه التراثي الشعبي بأربعة أجزاء كل جزء أكثر من 200 صفحة والجزء الرابع والأخير 320 صفحة» وفقاً لما كتبه عنه الأستاذ صلاح الزامل حزناً على فقده.
«وعندما تقاعد رحمه الله عام 1415ه تفرغ تفرغاً تاماً للقراءة والاطلاع والتأليف وقد أصدر عدة كتب بعد تقاعده منها دراسة جميلة عن الشاعر المشهور محسن الهزاني (أساطير وحكايات عن الجن) وكتاب عن روضة سدير تاريخها الماضي والقديم والأدب المثمن عدة أجزاء وأساسه مقالات كتبها في جريدة الجزيرة». وعلمت «الثقافية» أنه سيتم تكريم ذكرى الراحل وجهوده قريباً في مسقط رأسه روضة سدير.
استمرت مشاهد الحكاية رغم رحيل بطلها! الكتاب المفاجأة وتوقيت ظهوره أحدثًا أثراً على كل من سمع عنه إلا أن لأبي يزن نصيب الأسد من حجم هذا التأثير، الذي عبر عن عميق امتنانه وصادق دعائه مستشهداً ببيت حافظ الشهير ترحمًا وافتقادا وامتنانا:
«شكرت جميل صنعكم بدمعي
ودمع العين مقياسُ الشعورِ».
وقال: إنه سيكتب مقالا حوله كما يأمل أن يراه مطبوعا.