صورة الطفل السوري الغريق إدانة لنفاق العصر، ووثيقة عار على حُماة الظلم ورُعاة الطغيان:
يا غريقًا أشجى الزمانَ الغريقا
حقُّ هذي الحياةِ ألّا تفيقا
حملتْك الأمواجُ لفظًا رشيقًا
وحوتْك الشطآنُ معنى دقيقا
فقرأنا في رَبْكةِ الضوءِ شجْوًا
ذابَ في مِسمَعِ الردى موسيقا
نَمْ قريرًا فقد بذلنا بكاءً
لَوذَعِيًّا وخُطبةً مِنْجنيقا!
أيَّ شيءٍ غادرتَ إلا هوانًا
وشتاتًا وموسِمًا زنديقا؟
إن أهليكَ في المتاهةِ ساروا
نفَسًا راجفًا وعمرًا شَنِيقا
وضلوعًا تهشّمَتْ في المواقيتِ،
يعلِّلْنَ بالهباءِ خَفوقا
وأقلّتهم المحيطاتُ أشبا
حًا أضَلّتْ إلى الطريقِ الطريقا
كيف يهوى الحياةَ من يبصرُ الأشواقَ
أسرى واللؤمَ حُرًّا طليقا؟
ويرى أرضَه حقولَ فناءٍ
جرّعتْها الأحقادُ سُمًّا (أنيقا)
فنما غرقدُ الفجيعةِ فيها
وعليها جثا الجنونُ صفيقا
مِيتةٌ هيّأتْ بلاغتُها الكبرى
لـ(نصّ الفناء) جرْسًا عميقا
أوجزتْ، وانجلتْ غموضًا وإفصا
حًا، وذابتْ همسًا، وطاشتْ زعيقا
كان شعرًا صُبّتْ قوافيه للمَوْ
تى فماجوا من حوله تصفيقا
نحن غرقى وأنت ناجٍ، وفينا
لم يزل يُغرقُ الشقيقُ الشقيقا
نحن لمّا نزلْ نُلَوّحُ للشطْطِ
على مركبٍ تلظّى حريقا
مستبدٌّ بنا الظلامُ، وفيه
عاصفٌ مُوغِرٌ علينا البروقا
و(الكبارُ) انتشَوْا بخمْرةِ موتٍ
فأطالوا مع الخُمارِ النعيقا!
أتُرانا مثلَ التماثيلِ لا أر
واحَ فيها؟ أنحنُ أخبى بَريقا؟
ليتهم يبصروننا كالتماثيلِ
فنلقى مثلَ الجمادِ حقوقا!
كان (بوذا) أجلَّ! هبّ نفاقُ العصرِ
يحميه: عاشقًا وعشيقا!
ما عبدنا الأوثانَ إذْ عبدوها
فجُعِلنا قُربانَها تحريقا
يا ضميرَ الإنسانِ لا طال عُمْرٌ
بِتَّ في كهفِه تلوكُ العقوقا
غايةُ العدلِ! ينحرون فريقًا
مستباحًا، ويعبدون فريقا
وكفانا في (محفِل الزيف) ألّا
يمنعونا تنهُّدًا وشهيقا!
هرَّجوا بالكِذابِ، يا لَذبابٍ
يدّعي أنه يَمُجُّ الرحيقا!
حِقبةٌ تربكُ الفراعينَ في الأهرامِ
هولاً وتُفزعُ الإغريقا
غرزَ الملحُ في الشواطئِ كفَّيه
وأضحى لُجُّ البحارِ مضيقا
وتمادى العجيبُ يُفني عجيبًا
وبدا مُتحفُ الضحى تلفيقا
وغدا للضجيجِ عرشٌ فغطّى
بوحَ قُمريّةٍ، ومجّد بوقا
أصبح الكوزُ للمضاحكِ ملهًى
حينما ظنّ نفسَه إبريقا
للتآريخِ من دمِ الناسِ حبرٌ
في طروسٍ من الدموعِ أُريقا
فلماذا الإنسانُ يركضُ للوهمِ،
وقد جرّب السرابَ الصفيقا؟
أسبيلُ الخلاصِ أن تهجرَ الأذْ
نُ سماعًا، والمقلةُ التحديقا؟
هل له أن يفرَّ من مقلتيه
من رأى معبَرَ النجاةِ سحيقا؟
هذه الأرضُ بالمواعيدِ حُبلى
فعِدِ الروضَ أن يبيتَ عَبِيقا
فسيَهْمِي له وللأملِ الظمْآنِ
لحنٌ يُرْوِي نداه العروقا
بين فألٍ ضاحٍ وصبرٍ مَريدٍ
ينبتُ الصبحُ في الجفونِ وَرِيقا
يا لحزنِ البستانِ إذْ رقد الشّو
كُ قريرًا، والزهرُ بات مَشُوقا!
- عبدالله بن سليم الرشيد