حاذر أن تغادر حلبة الرقص كي لا تغدرك الحياة.
أحلام مستغانمي
منذ أن غادر الراقصون ساحات الرقص المعشبة نبتت الأشجار في أقدامهم وعشعشت الخفافيش داخل رؤوسهم وغدا كل الوقت ليلا.
هذه الأقدام خلقت لترقص ..الرقص يدوزن أوتار الروح ويمنحها السلام والصفاء ..يمتص تشنجات الجسد .. يعيد للأعضاء لغتها التي تتخاطب بها ويقذف بالشحنات السلبية للأرض التي تمتصها عبر أقدام الراقصين ولا يبقى في الرؤوس غير الحب والصفاء . «إن الجسد السليم، يتكلم بكل إخلاصٍ وبكل صفاء، فهو كالدعامة المربعة من الرأس حتى القدم، وليس بيانه إلا إفصاحا عن معنى الأرض. ما الجسد إلا مجموعة آلات مؤتلفة للعقل. إن ما يجب أن أؤمن به يجب أن يكون راقصا» «نيتشة».
وأتذكر أنه عندما كنا نرقص كان الغيم يأتي ولا يمضي إلا بالمطر ..ولم يكن الفرح زائرا غريبا يستعاذ منه..كان الفرح هو المقيم .
ومنذ أن أنزلنا من الخاصرة خنجر الرقص ظلت الخاصرة مجردة.. والخاصرة لا تحب أن تكون عزلاء..الخاصرة رخوة وهشة وتحب أن تحتمي بشيء ما ..شيء يهبها القيمة والحماية..ولأن الخنجر أصبح معاقا أو معلقا في المتاحف و لوحات التصاوير ولأنه لم يعد من مساحات مباحة للرقص عقدت الخاصرة قرانها على الحزام الناسف وغدت ساحات القتل هي البديل .
وما من ملاذ لشحنات الجسد ..الجسد هذا الذي يحمل الروح ويمضي بها وما متنفس آخر وقد حُيَد الفرح سوى النقمة ..النقمة على كل ما هو مبهج والذهاب به بعيدا نحو قصى النهايات..نحو التدمير،
والخيار اليوم بين الموت أوالحياة بين الفرح أو الكآبة بين الرقص والغناء وثقافة الفرح أوبين ثقافة الموت والتفجير وما من منطقة وسط بين النار والجنة وكل ما نفعل الآن هو جعل رحلة التداوي مكلفة وطويلة وموجعة وعاجلا أو آجلا سنعود لكل ما يبشر بالحياة إذا ما اخترنا الحياة أو المضي قدما في منح القرابين مقابل اللامعقول ولا نريد أن نكون ملائكة ولن نكون ..وكل ما سوف ينجو بنا هو أن نكون كغيرنا إنسانيين .
وليتكم تعيدون لنا مسرح المفتاحة ..مسارح الجامعات .. حفلات حدائق كيلو عشرة والطائف المأنوس ..أعيدوا لنا دانات الخليج ودحة الشمال وشفت صبيا في الغواني ومرني ظبي الجنوب . أعيدوا لنا مساءات حي العود والعرضة النجدية والمزمار والخبيتي ومجرور وادي محرم وأغاني الصيادين والفلاحيين أبناء الأرض وأنا لا أقول اخترعوها ..أعيدوها فقط فقد كانت هنا وحمتنا من الذهاب بعيدا نحو ثقافة الموت ..أعيدوها رجاء وأبشروا بالفرح وحب الحياة وعدم الاستعجال إلى هناك من أجل الاثنتين وسبعين حورية ومن أجل الوصول مبكرا للجنة فهنا أيضا ما يستحق الحياة ويهب ويصنع الحياة.
وأرواحنا تصحرت ..وأقدامنا غدت شجرا يرشح باليباس ومن أجل القليل من الفرح نشد الرحال شمالا وجنوبا ..فهل غدونا أفضل إذا فعلنا ؟ وهل تقديس الأرض مقدم على روح الإنسان.؟.
نرجوكم أعيدونا للرقص لروح الفرح لنحتفي كل يوم بالحياة أجمل هبات الله للأنساب.
عمرو العامري - جدة