الثقافية - محمد المرزوقي:
عاد معرض جدة بعد أحد عشر عاماً، في نسخة (دولية) أولى، سيتبعها تنفيذ أربع دورات، لتكون كافية للحكم على نجاحه بشكل (عملي) ومن ثم استمراره، الذي وإن أخذ طابعاً دولياً، إلا أنه - مبدئياً - سيظل المعرض الرديف لمعرض الرياض الدولي للكتاب، الذي استطاع أن يكون منافسا لمعارض الكتاب العربية، والأبرز في (عدد الزوار - القوة الشرائية)، إذ ما وضعنا في الحسبان ارتباط معارض الكتاب الدولية بالعواصم عطفاً على مقوماتها، إلا أن الترادف والتكامل والتنافس - أيضاً - طموحات ينشدها المؤلف والناشر والقارئ، محليا وعربيا.. والباحثين عن الكتاب من مختلف مناطق المملكة.
وإن كان معرض جدة ليس بجديد.. إلا أنه عاد بصبغة دولية، لها الكثير من متطلبات التنظيم والتجهيزات المختلفة.. ورغم هذا كان لامتداد جذور المعرض، ونجاح إقامة معرضين دوليين في أكثر من بلد عربي، وقبل هذا كله إقامة معرضين في بلد بحجم المملكة، وبما يوازي إقبال القارئ السعودي على اقتناء الكتاب.. ومطالبة المثقفين والمثقفات من منطقة مكة المكرمة خاصة، ومن المناطق المجاورة لها بإقامة معرض دولي بجدة.. كانت أبرز منطلقات إقامة المعرض، بدعم ورعاية مستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، وبمتابعة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد محافظ محافظة جدة.
وبين آخر مرة أقيم فيها المعرض بمركز الجمجوم التجاري، وما قبلها بمركز المعارض والمؤتمرات، وبين 2015م شهدت حركة النشر ومعارض الكتب عربيا العديد من التحولات التي جاء في مقدمتها النشر الإلكتروني.. وما قطعته من أشواط لتحقيق البعد (الدولي) الذي تحولت متطلباته إلى أعراف درجت المعارض على إقامتها، وشكلت مسارات تنافسية فيما بينها.. وفي المجمل فالرؤية.. والرسالة.. والوسائل.. والأهداف.. لم تكن غائبة لتحقيق مستوى يماثل ما وصل إليه تنظيم معارض الكتاب العربي، إذ تم التخطيط للمعرض بما يساير هذه المستويات.. ابتداء من اختيار الموقع، ومساحة صالة العرض الرئيسة، وصالات الخدمات المساندة، الاحتفاء بمكرمين.. وصولا إلى البرنامج الثقافي، الورش، ركن الطفل، المسرح، النشر الإلكتروني، متحف الفنون بما ضمه من فنون: النحت، والتشكيل والتصوير الضوئي، والخط العربي.
كما كان للاحتفاء بالمؤلف السعودي حضور بارز في المعرض، من خلال تسويق منتجه بجناح (المؤلف السعودي) وعبر (6) منصات توقيع، دشن عبرها المؤلفون والمؤلفات إصداراتهم الجديدة.. وسط إقبال جماهيري وصف في بعض أيام المعرض بـ(المتوسط) مقارنة بالمتوقع من جانب، وبمستوى الإقبال على اقتناء الكتاب مقارنة بأعداد زوار المعرض من جانب آخر.. حيث جاءت كتب الأسرة والطفل في مقدمة العناوين الأكثر رواجاً.
أما الموقع الإلكتروني للمعرض، فمتواضع بالنظر إلى محتواه، إذ لم تكن المتابعات التلفزيونية - أيضا - ببعيدة عن هذا التواضع بنمطية المتابعات التي لم تتجاوز في أغلبها اللقاء بالموقعين من خلال منصات التوقيع، واستضافة موقعين آخرين عبر الأستديو..! إلا ما قل من مقتطفات مع بعض الناشرين أو بعض الزوار، إذ غاب النقل المباشر للندوات.. ولو لأبرزها، والتي غاب معها – أيضا - محاورة ضيوف لا يقلون حضورا عن أسماء كبيرة لم يخل البرنامج الثقافي منها، وخاصة في ظل رتابة العديد من الفقرات.. التي كانت أسئلتها - مسجات - مكرورة.. وسطحية! وفيما تتباين الآراء حول فاعلية إقامة البرامج الثقافية المصاحبة لمعارض الكتاب محلياً وعربياً.. بين (تأييد ورفض) إلا أن طريقة تقديمها.. وإقامتها في قاعات معزولة.. وأهمية الموضوع.. وقيمة المشاركين.. وتنوّع أطيافهم.. وشرائحهم.. وغيرها من المقومات.. بمثابة (المعيارية) التي من شأنها أن ترجح كفة أحد الفريقين.. ومع أن البرنامج الثقافي لمعرض جدة لم يخل من هذه القيم المعيارية.. إلا أن تجاهل البرنامج للاحتفاء بلغتنا العربية في (يومها العالمي) الذي وافق ثالث أيام المعرض.. الأمر الأكثر غرابة!!!
وبعودة معرض جدة في نسخته الأولى (الدولية) كان ولا بد أن يحمد للقائمين على المعرض تنظيمه بهذا المستوى، في مدة لم تتجاوز ثلاثة أشهر، إذ تم تجهيز صالة تعرض أكثر من مليون كتاب، على مساحة 20600 متر مربع، وبمشاركة 440 دار نشر، من 25 دولة، بينهم 117 ناشراً محلياً، إذ كان المتوقع أن يستقبل المعرض قرابة 70000 زائر يومياً.. ليصل عدد الزوار في اليوم الثامن 600000 زائر، وبمتوسط إنفاق فردي بلغ 500 ريال، بما يعادل اقتناء 9 كتب للفرد، الأمر الذي جعل من المعرض يحقق مبيعات تجاوزت 15 مليون ريال خلال ثمانية أيام، فيما شهد يوما الإثنين والثلاثاء - اليوم الأخير للمعرض - مطالبة بتمديده.. لتظل هذه الأرقام التي سجلتها هذه الدورة شواهد نجاح.. وبوادر إيجابية في انطلاقته الدولية.. محفوفة بالأجواء الربيعية.. والنزهة الشاطئية!