عرفتها ناقدة سينمائية وخزيناً سينمائياً ثقافياً هائلاً، وعرفتها مديرة مهرجان الفيلم العربي الذي انعقد في باريس في معهد العالم العربي حيث حققت تظاهرة سينمائية مدهشة عام 2003. فهي تعرف الأفلام ومستواها، وتعرف السينمائيين وقدراتهم ومكانتهم الثقافية، ولديها قدرة في اختصار الوقت ضمن بلاغة الاجتماع المطلوبة أو حفلات الافتتاح والختام. في مهرجان الفيلم العربي بباريس كانت عيوناً سينمائية يقظة وعيوناً إدارية يقظة. بحيث خرج جميع المدعوين ليس فقط مرتاحين لموضوعية نتائج المسابقة ومستوى العروض السينمائية ومستوى ونوع الحضور كما ونوعا وبسبب قدرتها في انتقاء أعضاء لجنة التحكيم وانتقاء الأفلام، بل أيضا في القدرة على دقة تنظيم المهرجان الذي كان تظاهرة سينمائية هائلة في تاريخ المعهد الثقافي العربي في فرنسا.
بعد كل المشاكل التي أحاطت بمهرجان القاهرة السينمائي وقد عرفته عن قرب كعضو لجنة تحكيم دورته التاسعة عشرة عام 2009، وبعد التحولات السياسية الصعبة التي تمر بها المنطقة وبعد الخوف على الثقافة عموما والثقافة السينمائية بشكل خاص، وتهديد الإرهابيين للفنانين وللمهرجان والخوف الذي ساد الدورة الأخيرة في تهديد الإرهابيين للمشاركين في المهرجان في دار الأوبرا حيث تعرض الأفلام ويحتفى بالنجوم. ضمن هذا الواقع الذي تسبب في إرباك المهرجان إضافة إلى الملاحظات المتراكمة على المهرجان، فإن وزارة الثقافة المصرية قررت اعتماد السينمائية والناقدة الكبيرة ماجدة واصف رئيسة لمهرجان القاهرة.
فماذا ستواجه المديرة الجديدة للمهرجان من مشكلات؟ وكيف هي قادرة على تكريس أهمية مهرجان القاهرة لصالح الثقافة السينمائية الأهم في الثقافة؟
من خلال تجربتي وقراءتي لمهرجان القاهرة السينمائي في دوراته السابقة مثله مثل الكثير من مهرجانات السينما العربية أنه مهرجان «شو» أكثر منه مهرجان «ثقافة». هناك حقائق يعمد الإعلام المصري إلى إخفائها وهو أمر ليس في صالح المهرجان دون أن يدركوا مخاطر إخفاء الحقائق. لا أريد الدخول في التفاصيل الذي سببت أذى لمهرجان عريق لأن الشيطان مولع بالتفاصيل حتى لا أوفر له فرصة ضياع الفكرة. مهرجان القاهرة السينمائي بحاجة إلى إعادة اعتبار عراقته وأصالته وقيمته الثقافية السينمائية والفنية.
لذا فأنا هنا أتذكر مهرجان الفيلم العربي بباريس، وأتذكر رئيسته الناقدة السينمائية الكبيرة ماجدة واصف وأتذكر الندوات الثقافية المزدحمة بالمشاهدين وبالجمهور الذي كان واقفا في أروقة صالة السينما حيث لا يمكن الحصول على مكان ليس في حفل الافتتاح ولا في حفل الختام بل في كل أيام العروض السينمائية. مؤكدا أن جمهور المهرجان لم يكن من المدعوين، بل إن الجمهور الذي يزدحم في الصالة الرئيسية للمهرجان وفي صالات المهرجان الثانية كان يأتي بتذاكر مشتراة وكان الحصول على شراء التذكرة أمرا ليس سهلا!
كنت لا أرى ماجدة واصف كثيرا ولكني كنت أراها في ذات الوقت في كل مكان. فهي مثل ملكة النحل، تجعل بقدرتها السحرية أن تجعل كل العاملين في نظام مستتب ودقيق يعملون كل في اختصاصه، ويستطيع المتتبع أن يرى حضورا لملكة النحل في كل زاوية من أروقة المعهد الثقافي العربي في باريس وأتوقع أن يكون مهرجان القاهرة السينمائي القادم مهرجانا مختلفا عن كل الدورات السابقة وأن تسود الثقافة على «الشو» وأن يجد المهرجان وسيلة لحضور الجمهور لمشاهدة الأفلام مع مخطط إعلامي تتعاون فيه كل وسائل الإعلام مع المهرجان حتى يتم التواصل بين الجمهور والأفلام ويعرف الجمهور صانعيها في صيغ مشوقة وندوات حافلة بالثقافة وهيمنة على المسافات ما بين أماكن الإقامة وصالات الندوات الثقافية وحسابات دقيقة لعامل الزمن الصعب مضافا إليه الأمن الذي لا ينبغي أن يكون ظاهرا مرئيا للعيان يثير رعب النجوم كما حصل في الدورة الأخيرة.
لعل اختيار أعضاء لجنة التحكيم لمهرجان القاهرة «وهي مشكلة المهرجانات السينمائية العربية الرئيسية» تقع في مقدمة المهام الصعبة، فأعضاء لجان تحكيم الإبداع السينمائي في كثير من المهرجانات العربية يتداولون الرأي خلال وجبات الطعام وهو أمر مؤسف حقا، إذ يغيب التقييم العلمي والمناقشة المعمقة وتلعب السهولة في الأداء دورا في إيذاء المبدعين عندما تغيب الموضوعية وتطغى الذات على الموضوع، فيتحول المهرجان إلى «شو» وتغيب الثقافة الحقة فيفقد المهرجان السينمائي قيمته.
مهمتك ليست سهلة يا ماجدة واصف مع معرفتي بشخصك المبدع. مطلوب منك أن تحركي طاقم المهرجان من أجل الحصول على غذاء الملكة الثقافي «العسل السينمائي» فأنت ملكة النحل في مهرجانات السينما. ومهرجان القاهرة السينمائي مهرجان غرق بالمشكلات وبدلا من أن يرتقي بفنه لما تحمله السينما المصرية من مجد في تاريخها ومن معنى في المنافسة المهرجانية، فإنه تراجع ولعبت الظروف السياسية بالتأكيد دولا سلب يا في تراجعه، ولكن لشخص القمة في هرم التنظيم والإدارة دور هام في كل أنحاء العالم في النجاح أو الفشل في الارتقاء أو الانحسار في القيمة الفنية والفكرية للمهرجان السينمائي.
مهمتك ليست سهلة ولكنها عندك ليست صعبة وقدرتك في إدارة المهرجان كما مملكة النحل!
- k.h.sununu@gmail.com