عندما طُلب مني الكتابة عن الزميل والصديق البهي الأستاذ الدكتور معجب الزهراني، لم أعرف من أين أبدأ في تأمل شخصيته، وجمع نقاط البهاء في سيرته العطرة. رجل مثل هذا ليس من السهل أن تقبض على مفاتح تجمع سلوكه وسماته؛ فهو متمرد على النسق، وخارج عن الإطار الذي اعتاد الناس أن يصبوا قوالبهم فيه. كما أنه ثائر حتى على نفسه، ويتحدى كل ما يحققه في مراحل سابقة من حياته.
قليل من الناس يعرفون أن هذا الأكاديمي المناضل كان عصامياً بكل ما تعني الكلمة من معنى؛ بدأ دون دفع من أحد، أو دعم من مصادر غير ذاته في الداخل. فاعتمد على عقله، وحسن تعامله، وطيب معشره؛ وذلك كله مع رفض للجمود والنظر من زاوية واحدة إلى المشهد. ولو كتب عنه أصدقاؤه وزملاؤه كل بمفرده، لخرج كل منهم بأقوال وكتابات لا يتقارب بعضها مع بعض، لكون الرؤى في هذا الرجل تختلف بحسب اللحظة والقدرة على متابعة تطوراته الفكرية وجوانبه المتعددة.
لن أتحدث عن نشأته في منطقة الباحة الجميلة، التي لها بالتأكيد دور في صبغ الجمال داخل روحه، فغيري سيكتب بالتأكيد – وهم أعرف – عن هذا الجانب. لكني عرفت زميلاً وصديقاً يعشق الجمال في الأنساق التي يكوّنها، ويتماهى مع عناصرها، ليقنع من يحادثه بأنه هو وتلك العناصر قد أصبحوا شيئاً واحداً. سافر إلى مدينة النور، لتتنور روحه، ويصفو قلبه، متقبلاً مكونات الحضارة الحديثة. وزيادة على ذلك، درس علم الجمال، وفلسفات الفكر المرتبطة به؛ من نظريات المعرفة الغربية، مثلما تعمق في دراسة ما أنتجه الفكر العربي من أطروحات متقدمة، ولكنها منسية. وقام بتدريس كل ذلك في جامعة الملك سعود، معطياً قلبه قبل عقله لطلابه ودروسه التنويرية.
وبالطبع كان لا بد أن يعاني من هجوم المتشددين عليه، لأنهم يريدون السيطرة على عقول الناس غفلاً من التنوير. ولم تثنه محاولات الحد من تأثيره الإيجابي في الشباب داخل الجامعة وخارجها؛ بل زادته إصراراً على القيام بالمهمة الجليلة، التي نذر نفسه لها، مهما كانت درجة الأذى من أصحاب الأجندات الخفية. فأصبح اسمه يتداول على ألسنة الشباب الطموحين والراغبين في سلوك طريق الحياة.. طبت أبا توفيق رائداً تنويرياً!