أحسست وأنا أقرأ رواية (رقص) للدكتور معجب الزهراني بأنني أقرأ شذرات الفيلسوف إميل سيوران، فالرواية تبدأ وكأنها حديث عفوي ولكنها تفاجئك بعبارات مختصرة جامعة تتناول قضايا عميقة وتنتقد أوضاعاً ثقافية واجتماعية راسخة ومهيمنة لكنها لا توحي إليك بذلك بل تأتي في سياق روائي عفوي جميل..
رواية رقص هي رواية فكرية بامتياز لكن عمق الأفكار وثقل القضايا لم يؤثرا على الجو الروائي العذب..
إن هذه الرواية المدهشة قد استطاعت أن تقدم مقارنة فارقة بين الثقافة الفرنسية والثقافة العربية وكذلك بين أجواء الحياة في فرنسا وما يقابلها في الحياة العربية.. ولكن هذه المقارنة العميقة قد جاءت بأسلوب روائي تلقائي لا يظهر منه أي قصد بهذه المقارنة... وهنا امتزجت روعة الفكر ببراعة الفن..
إن الدكتور معجب الزهراني قد أنجز كتابة الرواية (رقص) خلال أشهر أثناء عمله أستاذاً زائراً في جامعة السربون وهذا يعني أنه أنجزها خلال مدة قصيرة جداً قياساً بأهمية المنجز خاصة وأنه لم يكن متفرغاً لها تفرغاً كاملاً بل كان مرتبطاً بالجامعة كأستاذ زائر.. وهذا إنجاز رائع يستحق التوقف.. إننا حين نتابع تاريخ الإبداع الروائي نجد أن بعض الروايات قد استغرقت من مبدعها سنوات..
من الواضح أن مهنة التدريس في الجامعة قد استغرقت اهتمام وطاقة ونشاط الدكتور معجب الزهراني فلو أنه تفرغ للإبداع في وقت مبكر لربما كان له شأن عظيم في الإبداع الروائي...
إن الجميع من المهتمين قد عرفوا معجب الزهراني أستاذاً وناقداً وكاتباً ومشاركاً مثيراً في الندوات والمؤتمرات العربية.. فهو مثقف بارز يدرك المهتمون مكانته الأدبية والنقدية والفكرية..
لكن هذا المثقف الاستثنائي مثقف كسول فإذا كان قد استطاع أن ينجز عملاً روائياً كثيفاً خلال أشهر فإن هذا يستوجب مساءلته عن كسله وتعطيل موهبته... حتى الكتب النقدية لم أطلع له إلا على كتاب (مقاربات حوارية) فإذا قارنته بواحد من تلاميذه وهو الدكتورعلي أحمد الديري أجد أن التلميذ قد أنتج بغزارة وعمق...
إنه يؤمن بأهمية الإبداع فهو يؤكد: (حاجة الإنسان إلى المزيد من الإبداع في العلميات والفكريات الجماليات فلغة الإبداعي وحدها التي تعيد للحياة وهجها وحيويتها لتنطلق وتتجدد باستمرار) إن معجب الزهراني من أبرز قادة الفكر الحر في بلادنا.
- إبراهيم البليهي