بروميثيوس صعد إلى السماء، سرق النار من الآلهة، ثم هبط ثانية إلى الأرض ليمنح الناس نور المعرفة.
ياسون أبحر عبر الصخور التي انهالت عليه وهو يمخر العباب، احتال على التنين الذي يحمي الصوف الذهبي وعاد مع الصوف ومع القوة التي تقف إلى جانبه إحقاقا للحق لكي يأخذ العرش من مغتصبه.
إيناس عندما ترك طروادة المهزومة وهبط إلى العالم السفلي عبر نهر الموت المرعب، وفي النهاية تكلم مع ظل والده الميت، فقد أوحى إليه بالأشياء كلها؛ مصير الأرواح ومصير روما، ثم عاد لعالمه عبر الباب العاجي ليّخلص شعبه.
إنها بعض أساطير التاريخ حيث يمتزج الإنسان بقدرة خارقة من الإله لينشر العدل والحرية بين البشر.
ومع اختلاف الأجناس والأعراق والعقائد يظل البطل هو الفكرة التي توّحد بين المختلفات، البطل الذي « يترك عالم الحياة اليومية ويفتش عن مجال المعجزة ما فوق الطبيعة، فإذا تغّلب على قوى هائلة ،و أحرز نصرا حاسما عند ذلك يعود من رحلته المليئة بالأسرار مع المقدرة لكي يُزوّد بني البشر من جنسه بالنعم والبركات».
بعد أحداث الحادي عشر من أيلول قال جورج بوش الابن: «إن قضيتنا هي أكبر حتى من حجم بلدنا، إن قضيتنا تتعلق بالكرامة الإنسانية، وبالحرية التي يتحكم الضمير فيها، ويستمر هذا الأمل في إضاءة طريقنا، وهذا الضوء يشع في الظلام، ولن تستطيع الظلمة التغلب على هذا الضوء»- كما ذكرت كوندو ليزا رايس،في مذكراتها.
و عبارة جورج بوش تذكرنا بأسطورة بروميثيوس، الذي تحدى زيوس الذي لا يحب البشر وقام بسرقة النار من جبل الأوليمب وأعطى قبسا منها للبشر فقد حزن بروميثيوس لرؤية البشر في برد الشتاء محرومون من الدفء والأمن.
كانت شعلة النار تلك هي التي أضاءت طريق البشر بالعلم والمعرفة.
في عام 2003م ذهب أهالي كاليفورنيا ليختاروا بكل ثقة «آرنولد شفارتزنجر» حاكما لولايته دون أن يتعرفوا على برنامجه الانتخابي، والسيد آرنولد لاعبا لكمال الأجسام،و فاز بلقب سيد الكون وكان يبلغ من العمر «اثنتين وعشرين عاما، وقد اكتسب شهرة عالمية من خلال أفلام الحركة وصورة البطل الذي لا يقهر ،هذه الصورة التي أصبحت رمزاً له في هوليوود، والتي من خلال تأثيرها اختاره الناس، فقد اختاروا بطل السينما الذي لا يٌقهر.
إنها السينما التي استطاعت أن تُذوّب جدار السكر بين خيال الناس وواقعهم ؛حتى تماهى ما يُمكنّ مع مالايُمكن وهو التماهي الذي أصبح يتحكم في سقف طموحات الآخرين بما فيه التحوّل إلى معادِل لرافع ذلك السقف.
شارك الممثل آرنولد شفارتزنجر بطولة فيلم «التيرمينيتور» أو الحد الفاصل وهو بطل خارق يعود هابطا من السماء من عام 2027 في شكل الإنسان الآلي»الربوت» مطاردا عدو البشرية وهذا الإنسان نصفه بشري ونصفه آليّ، يمتلك القدرة على إعادة تشكيل نفسه كلما تمّ تدميره.
وبطل هذا الفيلم يشترك مع ما تروّجه الغيبيات الدينية من العقيدة الاسترجاعية في ثلاث أفكار، الهبوط، الهدف، القدرة الخارقة، تحت اسم «ابن الله» الذي يتشارك مع الإله في قدراته.
و قصة الحدّ الفاصل والقصص التي تسير على طريقها والتي تتكئ على البعد الأسطوري الديني التوراتي ، والتي تروج لها السينما الأمريكية ، غالبا ما تُقيم مزجا بين الشخصية الأسطورية التوراتية وأمريكا من خلال بطلها الخارق الحامل لأفكارها ومبادئها.
ورغم قوة التناقض بين تلك الخارقية الأسطورية والعقلانية البحتة إلا أن الأمر لا يُكلّف العقل مغبة واسعة لرفض أو الوقوف في وجه اقتحام تلك الخارقية لخيال المتلقي ومنطقيته وواقعيته.
لا يُمكن المراهنة على علاقة العقل البشري فيما يتعلق بثيمة البطل من حيث الرفض والقبول؛ فلو اعتبرنا أن ثيمة البطل الخارق تتوافق مع العقل غير العلمي أو غير المنطقي، ولذلك شاعت الأساطير في طفولة التاريخ الإنساني التي تحول من خلالها الأبطال إلى أنصاف آلهة أو رموز لآلهة ، باعتبار أن التجسيم مصدر اليقين، وأن الوثوق في معلوم غيبي لا يُمكن أن تتم صدقيته دون تمثيل يقارب الجوهر في بحته من خلال موجود يعادله بالمقاربة أو التشبيه.
و لا يُمكن أن نحصر الإيمان بالبطل الخارق بفترة زمنية لها خصوصيتها العقلية، أو نعلّق تلك الحصرية باقتضاء فكري ودرامي استوجبته حقبة زمنية، لِنُخرج الإنسان الحديث اليوم وفق ما قد يطرحه مؤشر حسابات الانسياق المتوقعة وراء فكرة البطل الخارق.
و يعتمد مؤشر تلك الحسابات المتوقعة على متلازمة أن كلما نضج العقل العلمي لدى الإنسان تضاءلت المساحة المُؤمِنة بالخارق والخرافة أو تكاد تختفي.
و تلك المتلازمة لا يُمكن الاتفاق على إثبات صحة حكمها، وليس لأن الأمر هنا له علاقة بجذرية الموروث التاريخي بكل رمزياته التي تُحسب ضمن الجزء الأكبر من وعي الفرد فقط، بل يُضاف إلى هيمنة الموروث الرمزي إننا لا يمكن الجزّم بأن فكرة البطل الخارق هي فكرة منتهية الصلاحية في عصر العلم والفضاء لأنها لا تتوافق مع العقل التفسيري والمنطقي لإنسان اليوم، ولأن فيها إعلان لفشل العلم من فصل عقل الإنسان الحديث عن الخرافة والغيبيّات التي تروّج لها الأديان.
ولو قمّنا ببعض البحث لتحليل مدى صوابية فكرة أن البطل الخارق فكرة منتهية الصلاحية في زمن العلم والفضاء.فسنجد ما يُدهشنا، فأكثر الأفلام العالمية التي حققت مشاهدة في العالم على مستوى تصنيف دول العالم الأول أو الثاني أو الثالث،هي تلك الأفلام التي تعتمد على سلسلة البطل الخارق؛ السوبرمان وسبايدرمان وباتمان. وكابتن أمريكا.
ويمكن أن نضع تفسيرين لهذه المسألة:
التفسير الأول يتعلق بصناعة الاعتقاد والخبرة الإدراكية للإنسان الحديث.
والتفسير الثاني يتعلق برأس المال المتحكم في إنتاج فنون سلطة الصورة.
وهذان التفسيران لا يمكن تفكيكهما بعيدا عن الدين والمعرفة والهيمنة.
- جدة