تناولتْ مواقع التواصل الاجتماعي الأسبوع المنصرم قضيّةً، أيّد فيها من أيّد، وتطاول فيها من تطاول، من بعض المغرّدين الذين حوروا الحدث، واختزلوه في عبارة واحدة؛ لاستفزاز الرّجل السّعودي؛ كي يغضب، وتُجْهضَ الفكرة في مهدها.
الغريبُ أنّ الشّتم طال شخصيّة واحدة، من أصل أربع شخصيّات، كُلّها تقدمتْ بالمقترحُ؛ مما يجعل نفي التّعمد في الإساءة مُحالاً!
البغي في الخصومة، الذي صار متاحًا في تويتر، موقع المعلومة المختصرة، بغض النظر عن صدقها وكذبها، يؤكد أننا كمجتمع نعاني أزمة حوار، وأن شعار: (إن لم تكن معي فأنت ضدي) ما زال مُتسيّدًا حواراتنا المجتمعيّة.
دعونا نتتبع الحدث كيف تمّ، وكيف فُسِّر:
1- صوَّت أعضاء مجلس الشورى بالأغلبية لصالح توصية بدراسة مقترح بعض التعديلات على نظام الأحوال المدنية، ثم صدرتْ توصية في نفس الجلسة بإحالة المقترح للجنة الأمنيّة؛ لتتوسع بدراسته بمشاركة المختصين من: وزارة الداخليّة، وزارة العدل، والقطاعات الحكوميّة والأهلية المعنيّة بالأمر.
2- المقترح جاء به أربعة من أعضاء الشورى، لكنه رُبط باسم عضو واحد للنيل منه، والزج باسمه في قضايا تثير المجتمع؛ لضمان استمرار تصدير الكراهية للشخص، وهذا غاية الإسراف في الظلم!
3- حدّد هؤلاء الأربعة عدداً من الأهداف، التي يسعى المقترَح إلى تحقيقها، كترسيخ مبدأ حماية الحقوق (كما قررتها الشريعة الإسلامية)، وتأكيد حماية الحقوق التي (نصت عليها أنظمة المملكة)، و(تعزيز مُواطَنة المرأة السعوديّة، بتأكيد عدم التفريق بينها وبين المواطن في الحقوق، وخصوصًا حق حصولها على الوثائق الوطنيّة غير المشروط)، و(رفع الأضرار العلميّة والعمليّة والماديّة المترتبة على عدم حصول الأم على دفتر عائلة مستقل)، و(منح الأُمّ وثيقة رسميّة تُثبتُ صِلتها بأولادها)، وتفعيل بطاقة الأحوال المدنية.
4- الوسم الذي رُبِطَ به اسم شخص واحد من الأربعة حمل هذا العنوان: (إلغاء مصطلح ربّ الأسرة)؛ لإثارة الرّجل السعودي الذي لن يقبل بهذه التسميّة؛ وبالتالي سيكتسب مشاعر سلبيّة تجاه الموضوع، وسيرفضه جملة وتفصيلاً، حتى لو تبيّن له فيما بعد أنّه وفق الشريعة الإسلاميّة كما جاء في نَص المقترح.
5- ربط المقترح مباشرة ببنود (اتفاقية سيداو للقضاء على التّمييز ضد المرأة)، وهي مع يقيننا بأنّها في مجملها لا تتوافق مع الشريعة إلا أنّ بعض بنودها الإنسانيّة من أصل شريعتنا العالميّة. ولنأخذ مثلاً الفقرة (ب) من المادة الخامسة من بنود اتفاقيّة سيداو التي جاء فيها:
"كفالة تضمين التربية العائليّة فهمًا سليمًا للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعيّة، والاعتراف بكون تنشئة الأطفال وتربيتهم مسؤولية مشتركة بين الأبوين..".
هل الشريعة الإسلامية تقول بغير هذا؟
لا يعني كلامي هنا أنّني مؤيدة لهذه الاتفاقية جملة وتفصيلاً، بل لا أرى احتياجنا لها أصلاً، وقد ضمن الإسلام للمرأة حقوقها التي تفوق هذه الاتفاقية إحكامًا. أنا فقط أستشهد بأنّه لا ينبغي لنا رفض ما يجيء به كلّ من لا يشبهنا؛ لأنّه جاء من كافر، أو علماني؛ فالأمر إنساني بحت، ولو استشهدنا على اتِّباعنا لهم ستطول القائمة بالهنات، فنحن كما يقول الشاعر:
منهم أخذنا العود والسيجارة
وما عرفنا نصنع السيارة
نحن نرفض المساواة المطلقة؛ فالشرع واضح في القوامة، وهذا ما نصّ عليه مقترح الأعضاء الأربعة الذين ربطوا مقترحهم بأهم محورين هما:
1- (كما قررتها الشريعة الإسلامية).
2- (تأكيد حماية الحقوق التي نصت عليها أنظمة المملكة).
المقترح لم يتقدم بما يخالف الشريعة، وأنظمة الدولة، وهو مطلب مُلحّ، نعاني عقباته بصور تكاد تكون يوميّة، والرّجل هو أكثر المتضررين فيه، ولاسيما إذا كان عمله خارج المنطقة التي تقطنها أسرته؛ إذ إنّ هذا سيكلفه إصدار توكيل لزوجته، بحسب الاحتياج في كلّ مرة، حتى تمارس دور ربّ الأسرة في غيابه؛ كي لا تتعطل حياة الأبناء ومصالحهم، من دراسة وفتح حسابات في البنوك والسفر الضروري.. إلخ.
المعترضون على هذا القرار انقسموا بحسب تويتر إلى ثلاث فئات:
1- رجال استخدموا منطق الذكورة.
2-نساء لم يقرأن المقترح جيّدًا، أو بمعنى آخر: لم تضطرهن ظروف الحياة لذلك.
3- فئة ربطتْ الطلب برمته باتفاقية سيداو.
دعوني أختم لكم بقصة واقعية، ضحاياها ما زالوا يعيشون بيننا في مجتمعنا. أظن بعدها سننظر للجانب المضيء في هذا المقترح وما شابهه إذا تمّ:
رفض زوجها تطليقها مع أنّ بينهم عِشْرة قاربتْ ربع القرن. وظيفتها في مدينة، وأهلها في مدينة أخرى، وأبناؤهما ما زالوا طلبة؛ يحتاجون إلى الثبوتات الرسميّة للتسجيل في المدارس والجامعات. بعد أن رفعت عليه قضية خلع، وكسبتها، اشترط كاملَ المهر الذي دفعه لها قبل ربع قرن!
تدينت حتى تحصل على ورقتها؛ فحصلت عليها. وعندما اختار الأبناء البقاء مع الأم غاب الأب، وغيّب معه كل ثبوتاتهم الرسميّة نكاية بهم وبها!
ظلّتْ تبحثُ عنه، وتحاول التواصل معه؛ حتى لا يضيع مستقبل الأبناء، فأبى، وصار هاجسه كيف يغيظهم بحقهم المشروع؟!
تعطّل الأبناء عن الدراسة، وهي في كلّ مرة تحاول أنْ تستجدي الجهات الرسميّة لإيجاد البدائل. تغيبت عن العمل كثيرًا لتخليص أمور كثيرة، تتعلق بالأبناء، ومستقبلهم، وهو نائمٌ في غيهِ، يستلذُ بإيلام أسرة كاملة.
قليلٌ من الإنصاف كفيلٌ بأنْ يجعلنا أكثر وعيًا.
بقي أن تُوحد الجهود، ويُعرض المقترح الذي تقدمت به الدكتورة نورة العدوان، والمقترح الذي صوّت لصالحه أعضاء مجلس الشورى، للخروج بآلية تفيد بنات الوطن، ولا تجعلهن عرضة للتلاعب بمصير أبنائهن متى ما حدث خلاف بين الأبوين.
دعونا نضع أحقادنا جانبًا إذا جاءت المقترحات لصالح الوطن والمواطن. واسمحوا لي بأن أختم بتغريدة كتبتها إحدى المغردات تعليقًا على القرار، تقول فيها: "لو علموا كم امرأة هي ربّ الأسرة الفعلي في وطني لشابت رؤوس، والمرأة تعرف ذلك جيّدًا لكنها لا تستطيع أن تتكلم".
د. زكيّة بنت محمّد العتيبي - الرياض