بشكل عام، يبدو أن مرض الاكتئاب يطاول بمفاعيله كل الأحياء على هذه الأرض، من إنسان ومن حيوان ونبات، حتى أننا لنرى الطريق المؤدية إلى الوقوع في الحزن الغامر والكآبة السوداء هي دائماً سالكة وسهلة العبور لجميع الكائنات، ويصرِّح «البيطريون» بأن الحيوانات بجميع أنواعها، غالباً ما تصاب بأمراض نفسيّة توقعها بالشرود المستمر والحزن العميق، وبحالات متعدّدة من «الانفصام» مثلها مثل البشر الذين يولدون في مجتمعات مملوءة بالتناقضات والغرائب والمفارقات، حيث تتزامن وتتعايش محاولات الصعود إلى الفضاء الخارجي، وسبر أسرار الكواكب، مع السيل الجارف لفتاوى «داعش» وممارساتها إلى جانب «النصرة» وما يعادلهما من تنظيمات وجماعات وتجمعات تسعى عن طريق النحر والخطف والتعذيب بهدف الوصول السريع إلى الآخرة باسم الإسلام الذي ألَّفوه وفصَّلوه على قياس مآربهم وأهوائهم وأهداف من كلَّفهم وموَّلهم ورعاهم، وطرحوا مشروعهم المعتقدي بتأمين وضمان المستقبل في الآخرة!!
أوردت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية أن «بقرة» كانت تعيش في مزرعة بولاية كاليفورنيا الأميركية أُصيبت بمرض جعلها تعتقد بأنها «كلبة» وليست «بقرة»! وتتصرَّف كالكلاب. وكانت السيدة «دي كابريو» صاحبة المزرعة قد لاحظت بذهول أن هذه البقرة واسمها «ميلك شيك» لا تأكل العشب كغيرها من الأبقار، وتفضل عليها الطعام المخصَّص للكلاب! وتترأس السيدة «دي كابريو» مؤسسة خيرية للرفق بالحيوان، وكانت قد سمعت بأن بقرة تعيش في مزرعة تجارية ترفض كلياً الطعام العشبي، ولا تدرّ الحليب، فقرّرت شراءها والعمل على معالجتها لتعود بقرة سويّة إلى المجتمع «البقري» من جديد، وتأهيلها نفسياً وإزالة عقدة «الكلبنة» من مخيّلتها! فقد كانت غير مقتنعة حسب قول السيدة» بأنها بقرة! إذ إنه منذ وصولها إلى المزرعة هرعت وانضمّت إلى مجموعة الكلاب المتنوّعة والمتعدّدة الفصائل، وقاسمتها الطعام واللعب و»المهارشة»، وكذلك تقليدها بهزّ الذنب، وقيامها من حين لآخر بمجهودٍ صوتي كبير، وذلك عبر محاولاتها مزج «خوارها» الجهوري المميّز بشيء من «النباح» العشوائي المتقطِّع! ولا زالت جهود السيدة «دي كابريو» متواصلة لإقناع هذه البقرة بأنها سليلة الثيران والجواميس والأبقار أبّاً عن جد، وأمّا «عن جدَّة»، وأنها ليست «كلبة»!!
ولقد حَدَث في ولاية كاليفورنيا نفسها أمر آخر يوازي بشكل أو بآخر ما مرَّ مع البقرة «شيك ميلك»، ويقول إن السلطات المحلية أنقذت «التيس» المدعو «مستر جي»، والحمار المسمّى «مسيو دونكي»، وكان الاثنان في مزرعة واحدة، وعلى «معلف» واحد، ولا يفترقان أبداً، وكانا قد تعرَّضا لسوء المعاملة، وبنتيجة ذلك تمَّ وضع «التيس» في ملجأ يُعنى بالتأهيل النفسي للحيوانات، ووُضِعَ «الحمار» في مكان آخر مع مجموعة من «البغال»، إلاّ أن المسؤولين عن الملجأ النفساني لاحظوا أن إنفصال «التيس» عن «الحمار».. قد أصاب «تيسنا» العزيز بالشرود المتواصل وبامتناعه عن تناول الطعام لمدة ستة أيام، وأصيب «الحمار» بما يُسمّى «الذهول البزرميطي»! فقرروا وبالإجماع جمع شمل «الشْتيتين»، وذلك بهدف عودتها إلى سلوكها الحيواني بشكل طبيعي!
فهل سنشهد الزمن الذي ستقتنع فيه «أبقارنا بأنها ليست كلاباً»! ونعيش واقعاً تجتمع فيه «تيوسنا» مع «حميرنا» لتعود أجواء الوفاق والمودة إلى ربوعنا! ربما أن تلك الخطوات الحيوانية الرائدة ستشكل حافزاً ومؤشراً يؤدّي إلى تحقيق وحدتنا المفقودة منذ زمن بعيد!!
د. غازي قهوجي - آخر مقال بعث به د.غازي للثقافية؛ رحمه الله
kahwaji.ghazi@yahoo.com