يمكن القول إن تعريف الحداثة لغوياً هو: أنها مصدر الفعل حدَّث وتعني نقيض القديم، وهي أول الأمر وابتداؤه، ومعناها اصطلاحاً: اتجاه فكري قائم على عدة ركائز أساسية في العلوم والتقنية والفنون والصناعات والإنتاج الإنساني، وهي لا تختص بمجالات النقد الأدبي والفنون الإبداعية فحسب، بل تختص بكامل مجالات الحياة البشرية ومادياتها الحسية والمعنوية، وتسعى الحداثة على الأقل في شكلها الظاهري إلى دعوة الإنسان إلى العيش بشكل أفضل والتكامل مع غيره من بني جنسه حتى يصل كل إنسان إلى قمة السعادة. ورغم اختلاف المؤرّخون على تحديد النقطة البادئة للحداثة إلا أن ذلك لم يمنعهم من الاتفاق على أن الحداثة قد أتت على كل شيء في الحياة، فلم يعد من شيء باقٍ كما كان عليه، وأصبح رتم الحياة سريعاً، بطريقة تشعرك بأن الزمن يركض ليسبقنا فلا نستطيع اللحاق به! ولمّا كان الأدب من النتاج الفكري الإنساني، وثمناً لإحساسه ومشاعره، يدفعه لتسطيره وصياغته على الأوراق ليشكل لوحات فنية جميلة ومتفردة، كان لا بد من إتيان الحداثة على الأدب من ناحيتين مختلفتين.
الناحية الأولى هي التغيير الذي أصاب الأدب في الشكل، وذلك من حيث التركيب البنائي للنص والأوصاف البلاغية والسرد الفلسفي، بل استحداث وتعريب بعض المفردات، وطرأ التحديث أيضاً على طول النص وقصره، فأصبحت المعلقات من الآثار الأدبية برغم الإبداع اللامحدود بها، إذ أصبح اختصار الفكرة والإتيان بـ «زبدة» الموضوع هو العنصر الدال على القدرة والمهارة الحقيقية للأديب، بعكس ما كان يفعله الأدباء من الإسهاب واستعراض مهاراتهم اللغوية بنصٍ طويل للغاية، وقد رأينا كمثال على ذلك الكثير من المسابقات الأدبية للقصص القصيرة جداً، التي لا تكاد تتكون إلا من سطر واحد أو أقل، أما الناحية الثانية فكانت من حيث «الجرأة الكتابية» التي امتلكها الكتاب، وهذا يعود في جزء منه إلى الحرية التي عاشها الكتاب أثناء الحداثة وما بعدها، والحرية هي العنصر الأساس لحدوث الحداثة، فلا حداثة من دون حرية، وقد ظهر ذلك في الجرأة الواضحة لدى بعض الأدباء على نقد أمور كانت في سابق الأمر من المقدسات والثوابت التي لا يمكن المساس بها.
وقد يشكل الأديب الإنجليزي جيمس جويس أنموذجاً لبداية الحداثة الأدبية من حيث المضمون، حيث حملت روايته المترجمة للغة العربية «عوليس» عدداً من الشخصيات (القلقة) إن جاز تسميتها بذلك، وكان له مساحة أوسع في نقد الدين المسيحي والكنائس، ودعوته للتحرر من الكثير من القيم والتقاليد الاجتماعية التي تحد من حرية الإنسان وتكبت رغباته. ومن الأدباء المُحدثين في الأدب العربي الشاعر أدونيس وسعيد عقل وحسن طلب وغيرهم.
وكان من التحديث العربي في المضمون هو الضخ الهائل للفلسفة الفكرية في النص المكتوب، سواء كان النص عبارة عن قصيدة أو قصة، فلم يعد تقديم الفكرة في النص كافياً، بل لابد من تقديم الرؤية الفلسفية العميقة بكافة تجلياتها لشرح الفكرة، وقد قدم الأستاذ عزيز نعمان في رسالته لنيل درجة الماجستير عام 2009 م قراءة مختصرة عن تأثر الرواية الجزائرية بفرنسا، حيث هناك العديد من الروايات المكتوبة «حداثياً» باللغة الفرنسية والتي لا تختلف في مرجعيتها الثقافية عن الروايات المكتوبة باللغة العربية والمدعمّة بمفردات شعبية جزائرية!
واختلف المفكرون في العالم الإسلامي على قبول الحداثة الأدبية، فبين من يدعو لقبول النص أياً كان طالما كان جائزاً من حيث المقومات اللغوية، وبين من يرى أن المضمون الكتابي يعتبر من أهم المقومات، إذ إن قبولها سوف يؤدي لتغيير جذري في المذاهب الفكرية الإنسانية!
- عادل بن مبارك الدوسري
البريد الإلكتروني: aaa-am26@hotmail.com ** ** ** تويتر: @AaaAm26