يظل الشعر هو المخزن الثقافي الأقوى، والهجاء الثقافي كان بابا عريضا فيه، كما هو باب عريض اليوم في تويتر، وفي الماضي كانت البرمجة الثقافية تقوم على قانون (إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب) و(من لا يظم الناس يظلم) وهذا هو القانون النسقي / الشعري: الكل ذئاب والكل ظلمة والهجاء قوة معنوية وسلاح ثقافي جبار، ولذا سادت النقائض والتبارز اللفظي بأن تهجو خصمك بأقذع مما هجاك، وكلما كان الرد أقسى وأعنف كان الهجاء أنجح وأبلغ، وتصفق له الثقافة وتتواتر روايته وحفظه والاستشهاد به، في تغذية نسقية مستدامة، ولم ينافس هذا النسق أي نظام ذهني آخر يقوم على ثقافة الحقوق والمطالبة بإنصاف الضحية حقوقيا وليس نسقيا غير مثال الزبرقان حين اشتكى الحطيئة إلى عمر بن الخطاب فقامت محكمة أنصفت الضحية من الجاني، واليوم نحن في زمن تويتر ولم نعد في زمن الشعر ولكن الهجاء الثقافي ظل نسقاً بارزاً في خطاب التغريدات والتبادل اللفظي بين الأطراف ويصل للقذف والشتم العنصري والطائفي، ويقابله غالباً رد نسقي (ذئب مقابل ذئاب، وإن لم تظلمه ظلمك).
هنا تأتي نظرية الزبرقان لتكون مادة للاستحياء الثقافي بحيث تكون النزاعات مسألة حقوقية ويجب فيها أخذ الأمور مأخذا جديا وعمليا وحقوقيا بالتقاضي فيها على الطريقة الزبرقانية، وعبر هذا وحده نقيم نوعا من الثقافة الحقوقية لتخفف من ثقافة الهجاء ونسقيتها المهيمنة على شطركبير من ثقافتنا ومن تركيبتنا النفسية والذوقية، ولكي تسلم المثاقفة الحقة وتحتفظ باحترامها ومنزلتها ولا تكون الشتائم والعنصريات والطائفيات والقذف مزاحمة لعناوين الحوار والنقاش، من حيث التمييز بين ما هو ثقافي ومعرفي وبين ما هو هجائي نسقي.