الثقافية - محمد هليل الرويلي :
نفى الكاتب والناقد السعودي زياد السالم ما يثيره بين الحين والآخر بعض المثقفين وخصوصًا بعد الملتقيات الأدبية والمعارض التي تنفذها وزارة الثقافة والإعلام بأن بعض المثقفين يخشون سطوة انتقاداته اللاذعة، وقال السالم في حوار ساخن ستنشره المجلة الثقافية في العدد القادم إنه تربطني صداقات وعلاقات واسعة مع أغلب المثقفين، غير أنني أضيق ذرعاً بجلساتهم وحواراتهم وطريقتهم في تشكيل المريدين من خلال عقد توازنات معينة، أكره إكسسوارات المثقف وصناعة الحضور عبر بناء منحنى معين من خلال التحشيد ومد الجسور لربط الضفاف المتباعدة وتكوين نجومية زائفة كما يفعل المثقفون عادة. أتساءل دائماً عن إمكانية ظهور المثقف الجذري في حياتنا الثقافية؟ لكنني لم أعثر عليه. من جهة أخرى أنا أجد ذاتي في الحقول المحتدمة، وهذه متعذرة وغير موجودة في الحالة الثقافية العربية. ذهبت قبل سنوات إلى بيروت والتقيت بعض المثقفين هناك، رأيت عبده وازن تحاورنا ولم يدهشني، كان بلا روح، يشبه أفعى الجليد، تلك الأفعى البيضاء التي تبدو في الصقيع للعيان كدمية منسية في حاشية الموت. التقيت آخرين فاختطفت نفسي إلى مهرب اللاعبين، حيث المقاهي القديمة الغامضة تضج بالأرواح والأجساد الكثيرة في تحولاتها ومغامراتها، دخلت مقهى لا يرتاده إلا القتلة وكبار المجرمين، تراجع مرافقي وحذرني من مغبة دخوله لكنني اعتزمت على اقتحامها، أدهشتني تلك الوجوه التي تفصلها عن الجريمة مسافة رصاصة واحدة، أحدهم كان يسيطر بوضع اليد على طاولات الآخرين، حدجني بعينه لكنه قرأ رسالة دموية في عيني فتراجعت نظراته بانكسار، أجد أفقاً غريباً في هذه الأماكن. قبل سبعة أشهر ذهبت في رحلة ثقافية إلى البحرين، لم أجد أيضاً ضالتي بين مثقفيها، فاقتحمت مقهى خطراً في المنامة، يرتاده أبناء البادية من المنطقة الشرقية، أعجبتني طبيعة الحوار البري والتلقائية ولحظات العنف، بين لحظة وأخرى يهشمون القوارير على الأرضية، وظلت المسافة نفسها قائمة بيني وبين غول شرير، قرأت في نظراته رغبة ملحة في الاشتباك معي، لكنه رأى لمعة الموت في عيني فأحجم وانطوى على حدوده، العين أفق للدلالات وهي «مرآة الروح» ومفتاح لمعرفة الكائن وخبراته، بالعين نقدر مدى المجازفة وحجم جنونها، ما أود أن أقوله: إن نمطية المثقف تحيل على الحياة البلاستيكية القاتلة، لم أوجد كي أكون آلة رقمية أو مثقفاً بليداً يعتقد أنه حامل البشارات ووريالطبقة الرسولية، أتصرف وأفكر وأحلم كما يحلو لي.
وعن انتقاداته اللاذعة للفنان فايز المالكي وناصر القصبي يقول السالم ببساطة أقول: هناك فارق جذري على مستوى الرؤية الفنية والقيمة والأداء ما بين مهرج رخيص «فايز المالكي أو القصبي نموذجاً» وبين فنان حقيقي كإبراهيم الحساوي، طاش ما طاش والأعمال الكوميدية الأخرى لعبت دوراً في تسطيح الذهنية السعودية وكرَّست كل ما هو رديء ومبتذل تحت لافتة المضحك والمسلي والمتآلف. الفنان لا يقدم عملاً إلا بوصفه منطقة لإقلاق المتلقي بحيث يخلق حالة ارتطام بالمفاجئ والغريب. سئل فنان كوميدي إيطالي عن الهالات السوداء تحت عينيه وعن طبيعيته الكوميدية فأجاب «نشأت الهالات السوداء تحت عيني نتيجة خبرات الحزن والألم»، الكوميديا مستوى معقد وصعب يتطلب روحاً ارتطمت بتجارب من مقام خاص ورفيع، ماذا لدى المالكي أو القصبي والحيان...الخ إلا التهريج والافتعال الممجوج!