الدعوة إلى النسيان شبيهة تماماً بأن يدعوك احد إلى الموت.. أن تنسى هو أن تفقد نفسك شيئاً فشيئاً.. واجمل ما قيل في النسيان هي فلسفة واسيني الأعرج «صدقني نحن لا ننسى أبداً، ولكن نغمض أعيننا قليلا لكي نستطيع أن نعيش»
ان النسيان بمعناه الصريح والمجرّد غير موجود، نحن ننسى ماذا أكلنا ماذا شاهدنا بالأمس ماذا لبسنا، تلك التفاصيل الصغيرة اليومية التي لا تعني أحد.. لكن لم ننس من أحببنا وفارقنا، من ربّانا ومات، من علّمنا الكتابة من ترك بصمتة داخل أرواحنا، حقيقة ما يجب فعلاً ان ننساه هو ما لا نستطيع نسيانه، النسيان مرض سمّي «زهايمر» مرض يفتك بصاحبه فلا اسوأ من انسان بلا ذكرى، كتاب « زهايمر» لغازي القصيبي رحمة الله شممت رائحة النهاية في حروفه هنالك نهاية ذاكرة وحياة في هذا الكتاب بالذات يقول»ما هي السعادة ؟ أليست السعادة في التحليل النهائي مجموع التجارب السعيدة ؟ بلا ذاكرة لا توجد تجارب.. لا يوجد سوى الفراغ.. فراغ الموت».
اني ادهش من طبيعتنا البشرية، فكثير منا نحن المعافين من مرض الزهايمر نتمنى نسيان الكثير الكثير من أحداث الحياة وقسوتها، ونتناسى احيانا كثيرة، نشغل أنفسنا بكل شيء لننسى.. بينما مريض الزهايمر يعاني الامرين في محاولة التشبث بآخر خيط من الذاكرة، مهما كان نوع الذاكرة. فالنسيان عصيّ على كل ما يعيش في داخلنا، من اقدر على النسيان الذكر ام الأنثى؟!
قال تعالى {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} إن ظاهرة اختلاف دماغ الرجل والمرأة أثارت اهتمام العلماء فقاموا بدراسة الحالات المختلفة للدماغ عندما يفكر وعندما يغضب وعندما يحزن وعندما ينسى ويتذكّر، وغير ذلك من الانفعالات النفسية ووجدوا أن الدماغ لدى الرجل يعمل بطريقة مختلفة عن دماغ المرأة.
الغريب أن أغلب ما نتمنى ان ننساه هو ما يرسخ بالذاكرة اكثر، ويستحيل محوه بسهولة.. واعتقد ذلك عمل عصبي لا إرادي عندما افكر بشيء أريد ان انساه فهذا يعني أنني أعيشه بالعقل الباطن بكل تفاصيله ،ولكن لو اعتمدنا على الذاكرة التلقائية لدى البشر لكانت فترة النسيان اكثر سهولة واكثر سرعة، لأنه حسب الدراسات العلمية ان لدى المخ البشري القدرة الهائلة على نسيان المواقف الاليمة والحزينة.
ولكن الانسان هو من ينادي تلك الذاكرة ليستعيد معها الصورة من جديد، وبذلك يصعب عليه النسيان بسهولة.
وكما صنّف الطب النسيان كمرض « زهايمر» صنّف عدم النسيان كمرض أيضاً يسمى «متلازمة فرط نشاط الذاكرة وهو مرض تم اكتشاف اشخاص معترف بهم عالمياً مصابين به، واختبر الباحثون الاشخاص المصابين بالمتلازمة عبر استجوابهم عن سلسلة من التواريخ، وسؤالهم عن الاحداث التي تتوافق معها، وبعكس معظم الناس الذين تتلاشى ذاكرتهم مع الزمن، فإن أدق تفاصيل حياة هؤلاء مطبوعة بعمق في عقلهم، يمتلك «كيم بيك»واحدة من أعجب الذاكرات التي عُرفت حتى الآن،يستطيع «كيم»في الواقع، أن يستحضر فعلا من مكتبته الذهنية بسرعة تعادل سرعة استحضار ماكينة البحث عن المعلومة في الإنترنت. لقد قرأ كتاب (T.كلانسي) بعنوان The hunt for red October في ساعة وخمس وعشرين دقيقة. ولدى سؤاله بعد ذلك بأربعة أشهر، أعطى اسم مشغِّل الراديو الروسي المذكور في الكتاب مشيرا إلى الصفحة التي تصف ذلك الشخص ومقتبسا منه بضع فقرات بنصِّها الحرفي.
تمتد ذاكرة «كيم»لتشمل ما لا يقل عن 15 موضوعا تتناول فيما تتناول تاريخ العالم، تاريخ أمريكا، الرياضيات، الأفلام السينمائية، الجغرافيا، برامج الفضاء، الممثلين والممثلات، الإنجيل وتاريخ الكنيسة، الآداب، شكسبير، والموسيقى الكلاسيكية. إنه يعرف كودات المناطق والكودات البريدية في الولايات المتحدة إلى جانب محطات التلفزة التي تغطي هذه المواضع. إنه يعرف كذلك الخرائط الموجودة في مقدِّمات أدلة الهاتف ويستطيع أن يروي تعليمات السفر كتلك التي ترد في موقع الياهو Yahoo بالنسبة إلى أي مدينة في الولايات المتَّحدة أو بين كل مدينتين. إنه يستطيع تمييز مئات المؤلفات الموسيقية الكلاسيكية وزمان ومكان نظمها وتنفيذها لأول مرة، وكذلك اسم من نظمها والعديد من تفاصيل سيرهم الذاتية،لكن المثير ان كيم البالغ 54 عاما يمشي مشية مائلة ولا يستطيع أن يزرّر ثيابه ولا أن يتدبر أعماله الروتينية اليومية، والمؤكد اننا لاننسى بمحو مانريد من ذكريات كما يظن البعض ولكن نتناسى مايزعجنا، لانجعلة في واجهة الذاكرة، نعيد ترتيب الذكريات حسب الأقدمية او سعادتها او الألم الذي تحوية، نحن ملوك ذاكرتنا فلو استحضرنا الروح الإيجابية سنستحضر الذكريات الجميلة في الواجهة، نحن لاننسى ابداً.
أحلام الفهمي - الدمام