1ـ ما بعد النقد .. ما بعد البعد:
من اللافت عناية عبدالله الغذامي منذ بداياته النقدية حتى الآن بمراسم التوديع للمصطلحات والمفاهيم وبروتوكولات التشييع للعلوم والظواهر، احسبْ معي هذه الوفيات والبعديات التي بشّرنا الغذامي بوقوعها على امتداد مسيرته النقدية: موت المؤلف، موت النقد الأدبي، موت الشعر، ما بعد الحداثة، ما بعد الاستعمار، ما بعد العولمة، ما بعد الليبرالية، ما بعد الصحوة، طبعًا بعض هذه المصطلحات لم يكن هو المبشِّر الأول بوفاتها؛ ولكنه لم يكن يخفي سعادته وهو ينقل نعيها إلينا!.. مرة بعد أخرى وعلى امتداد مسيرة الغذامي النقدية يُطل علينا هذا التوثب النفسي والفكري لكل جديد.. التوثب الذي لا يستنيم لإنجاز سابق، ولا يطمئن إلى وهْم الاكتفاء والتشبع الزائف، وفي مقاله عن: آفاق مابعد الحداثة حاول الغذامي أن يفسِّر هذه الهجرة الجماعية للمفاهيم نحو: الما بعد؛ كاشفًا عن الانكسار المعرفي والحضاري للفكر المعاصر، وعجزه عن الإجابة على أسئلة العقل والضمير.
إن التأمل في المنطق الكلي لمجموع هذه «البعديات» سيُفضي بنا إلى مرحلة يمكن أن نُسميها: ما بعد النقد، وما أقصده بهذا التعبير هو: انفتاح النقد المعاصر على جميع احتمالات التداول النقدي، ومنها: إن يتحول الناقد نفسه إلى منقود، وهي الفكرة التي دعا إليها الغذامي أكثر من مرة، هذا يعني أن الانتقال إلى النقد الثقافي هو في حقيقته انتقال من مهمة نقد الآخر إلى نقد الذات؛ لأن نقد الأنساق المضمَرة هو في الأساس نقد للذات الجمعية التي تسيِّر ذات الفرد الناقد وتوجِّه عواطفه ومواقفه وتفكيره، لم يعد النقد إذن ممثلاً للذات المتضخّمة التي تحصي «أخطاء» الآخرين، بل أصبح مساءلة دقيقة للأنا، وامتحانًا عسيرًا للذات، وهي تجربة قريبة من تجربة الوقوف بين المرايا المتقابلة، فكل مرأة هي كاشفة ومكشوفة في الوقت نفسه، وهي إِذ تشفّ عن غيرها من خلال زاوية النظر الخاصة بها تكتشف أيضًا نفسها ومن زوايا متعددة؛ من خلال المرايا المواجِهة لها.
ومع أن العصر الذي نعيشه هو عصر المابعد؛ الذي يدل على الانفتاح والتعدد وتجنب الحسم في مقابل: القطع والمركزية والمفاصلة التي كانت سمات المرحلة السابقة؛ فإن هذا العصر نفسه هو الذي يشهد أيضًا إحياء أفكار قديمة بتسميات جديدة، ومن هنا تبرز تيارات ثقافية وسياسية تستحضر اتجاهات فكرية قديمة ثم تصفها بالجِدّة؛ مثل: الليبرالية الجديدة، والتاريخانية الجديدة، والمحافظين الجدد، وهي تسميات تذكّرنا بأسماء كثير من المدن الأمريكية المأخوذة من أسماء مدن أوروبية؛ لأن مستوطني العالم الجديد لم يستطيعوا التخلص من انتمائهم العميق إلى عوالمهم القديمة، وفي هذا التدافع الحضاري الذي يتخذ في أحيان كثيرة صورة التصادم المباشر بين اتجاه يهدف إلى التخلص من رواسب الفكر القديم وقيوده ومحدداته، واتجاه يعيد إنتاج المرجعيات القديمة.. في هذا التدافع الحضاري تكمن معظم أزمات الإنسان المعاصر، وأهمّ إبداعاته أيضًا.
2- قانون الأرجوحة:
حاولْ أن تعود بالذاكرة وترصد عدد الظواهر الاجتماعية التي شهدتَ في حياتك بروزها وانتشارها في المجتمع من حولك، ثم كيف اتجهت بعد فترة - تطول أو تقصر - إلى الأفول والانحسار، حين أتأمل من جانبي بعض هذه الظواهر أشعر بأن التاريخ مجرد أرجوحة: تتوسع الظاهرة وتعلو وتتسيد، حتى إذا ظن الجميع أنها باقية بقاء الدهر؛ اندفعت الأرجوحة في الاتجاه الآخر!
من هذه الظواهر التي أخذت حيزًا كبيرًا من الامتداد والتأثير في المجتمع: ظاهرة الصحوة، ولتحليل هذه الظاهرة، ورصد تجلياتها وآثارها وضع الغذامي آخر كتبه صدورًا، وهو كتاب: ما بعد الصحوة، ويُعد هذا الكتاب امتدادًا لمشروع الغذامي الكبير في النقد الثقافي، وكان قد أصدر قبله وفي سياق تتبعه للأنساق الثقافية المهيمنة كتابه: الفقيه الفضائي، ورصد فيه التحولات الثقافية المستجدة في الخطاب الفقهي، وفي وسائل تقديمه وتسويقه، وهو ما يؤكد اهتمامه بتحليل ما دعوتُه في المقال الثالث من هذه السلسلة بـ: الفقهنة، أمّا هذا الكتاب الأخير: ما بعد الصحوة فقد طرح فيه عددًا من الأفكار والرؤى الأكثر سخونة، وهي الأفكار التي تستحق التوقف والمساءلة.
3- الشرط التاريخي بين ما بعد الصحوة، وما بعد السلفية:
ثلاث مرات على الأقل كان الغذامي فيها هو رجل اللحظة الخالدة، أو مثقف الشرط التاريخي؛ حيث دفعه حس الاستبصار المبكّر بالخطوة القادمة للتاريخ والثقافة إلى أن يصدر كتابًا أو يتخذ موقفًا في أنسب وقت لصدوره، وهو الوقت الذي يبدو فيه أن الأوضاع تتهيأ لاتخاذ مسار جديد؛ لكنّ حدود هذا المسار الجديد لم تتضح بعد، فيأتي الكتاب أو الإعلان الثقافي ليسهم بقدر كبير في رسم هذه الحدود؛ حدث هذا مع كتابيه: الخطيئة والتكفير، والنقد الثقافي، ثم في مقالاته ومحاضراته عن الليبرالية الموشومة، التي تمخضت بعد ذلك عن كتاب: الليبرالية الجديدة.
وكان يمكن أن يتكرر هذا مع كتابه الأخير: ما بعد الصحوة؛ ولكن تأخر صدوره حتى هذا العام (2015م) هو الذي جعله لا يأخذ صفة: الحدث التاريخي الذي يسرق الأضواء ويؤسس لوعي جديد، ولو صدر هذا الكتاب قبل أكثر من عشر سنوات؛ لكان له موعد مع التاريخ، فقد كان عام 2001م بأحداثه الخارجية هو عام التساؤل الأعمق عن الصحوة وامتداداتها، ونتائج السير فيها، ثم جاء عام 2003م بأحداثه الداخلية ليقدم جوابًا مدويًا عن ذلك السؤال، وهكذا لم تمر بعد ذلك سنة أو سنتان حتى اتضح لمجمل المراقبين المسار الذي كانت تتجه إليه الأحداث، ومن هنا فقد هذا الكتاب - حتى مع عنوانه اللافت - جزءًا كبيرًا من رصيده الاستشرافي، وصار أشبه بحديث عن شيء مشاهد وملموس من الجميع.
الكتاب الذي خطف الأنظار هذه السنة هو كتاب: ما بعد السلفية لأحمد سالم وعمرو بسيوني، وقد صدر متزامنًا مع كتاب الغذامي؛ ولكنه استطاع بسرعة أن يحرك الساحة الفكرية الإسلامية على وجه الخصوص، وأن يُثير عاصفة من الردود والجدل المتبادل، وبصرف النظر عن اللغة الأستاذية التي كُتِب بها، وما تتضمنه بعض مباحثه من استهانة واضحة بالخطاب السلفي المعاصر وبأعلامه، ومن أحكام تعميمية كثيرة ناتجة عن ضمور مساحة الاستقراء، وقلة صبر على فرز تباينات الخطاب السلفي والاتجاهات المستجدة داخله؛ فقد استطاع الكتاب أن يقتنص اللحظة الثقافية؛ أي أن يستشرف شيئًا لا يراه الآخرون، أو على الأقل لا يراه معظم الناس، فالكتاب يرى أن السلفية منذ الآن فصاعدًا لم تعد في صدارة التوجهات الفكرية للمجتمعات العربية، وهذا لا يعني أنها أفلتْ أو خمدت، بل يعني أنها تجزّأت وتنوّعت، وتعددت مساراتها؛ بسبب غياب الرموز السلفية الكبيرة أولا، ثم بسبب الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها ممثلوها ثانيًا، وهي الأخطاء التي تنمّ عن قصور بيّن في فهم الواقع، والقدرة على تفسيره وتحليله؛ نتيجة عدم الإلمام بالأطر العلمية والفلسفية للعلوم الإنسانية، وكذلك عدم استيعاب التطورات الحضارية المتلاحقة التي غيرت إلى حد كبير المشهد الإنساني المعاصر، وهذا التنوع أو التشظي في التيار السلفي أدى ويؤدي إلى تراجع مكانته ليصبح تيارًا ضمن تيارات أخرى مؤثرة في المجتمع، ومرة أخرى هذا لا يعني: تحولاً عن السلفية، بل تحولاً فيها، وبتعبير الغذامي نفسه فإن الانتقال إلى ما بعد المصطلح لا يُقصد منه نفيه أو نقضه، بل المقصود: توسعه وانفتاحه وتعدده.
4- الصحوة.. وجبل الجليد:
يكشف كتاب: ما بعد الصحوة جانبًا من تاريخنا الاجتماعي المعاصر الذي سبق لعبدالعزيز الخضر أن شكا من قلة الدراسات غير الرسمية فيه، ولهذا فهو إضافة مهمة في هذا الباب؛ وبخاصة أنه يأتي من مثقف مشارك في الأحداث، وصانع لبعضها، ويكاد الكتاب أن يكون الجزء الثاني من كتاب الغذامي السابق: حكاية الحداثة، ففيه تفاصيل تكمّل الصورة، وتملأ بعض الفجوات المتروكة هناك، وبسبب ضيق مجال القول في حدود هذا المقال يمكن أن أقف بإيجاز عند أربع مسائل سأختلف فيها مع ما يطرحه الكتاب، وأولها: ربط ظهور الصحوة بتاريخ محدد؛ بعام: 1987م، وهو التاريخ الذي بدأ الغذامي يلحظ فيه بروز هذه الظاهرة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة حيث كان يحاضر، وفي ناديها الأدبي حيث كان يزاول نشاطه الثقافي، وهذا التناول الشخصي لهذه الظاهرة يذكّرنا بما سبق أن قلتُه في المقالة الثانية من هذه السلسلة، وهو: ميل الغذامي إلى تفسير الظواهر الكبرى في المجتمع من خلال تجاربه الشخصية، وهي تجارب ثرية بلا شك؛ ولكنها بالتأكيد غير كافية، إن طلبة الجامعة الصحويين الذين لحظ الغذامي حضورهم ذلك العام مروا بتكوين سابق على هذا الحضور في مراحلهم الدراسية السابقة.
5- الصحوة.. صحوات:
والكلام المتقدم هو ما سيقودنا إلى المسألة الثانية، وهي: اختزال الكتاب ظاهرة الصحوة في بُعد واحد من أبعادها، وهو: ثقافة الحشود؛ لأن هذا البُعد هو ما كان يلحظه الغذامي، فقد لامسه واقعًا أمامه، وتأذى منه؛ ولكنّ للصحوة أبعادًا أخرى: علمية، وأخلاقية، وروحية، واجتماعية، أثّرتْ في جيل كامل داخل المجتمع، وهناك قطاع كبير من المنتمين لهذا التيار لم يشاركوا في الحشود التي كانت تصارع الحداثة؛ وإن كانوا قد سمعوا بها من بعيد؛ لانشغالهم بمساراتهم العلمية والتربوية والروحية المستقلة.
وبهذا يتبين أن الصحوة صحوات؛ كما أن الحداثة حداثات، وهذا قانون اجتماعي وفلسفي عام قبل أن يكون تفسيرًا خاصًا لهذه الظاهرة الاجتماعية أو تلك، والغذامي نفسه يقول في كتابه: حكاية الحداثة: ليس هناك تعريف للحداثة، وإنما هي حالة فكرية كلية، بل إن لكل حداثي تعريفه الخاص الذي لا يشترك فيه معه أحد سواه.. أليس هذا هو حال الصحوة أيضا؟ ومن هنا فلا يمكن اختزال الصحوة بأنها: ثقافة احتشاد فقط، أن الحكم على الظواهر والتيارات من الخارج يجعلنا ننظر إليها بوصفها تيارًا واحدًا، وكتلة صماء متماسكة؛ لكن حين نتجاوز قشرتها السطحية، ونتوغل في أعماقها سنكتشف أنها متعددة، وفي حالة سيولة دائمة، ولم يستطع الكتاب أن يتجاوز هذه القشرة الخارجية، ولعل من الظواهر اللغوية التي تعزز هذا المنحى في الكتاب: شيوع ضمير الغائب فيه بقدْر لافت: هم، وهم، وهذا يوحي بأمرين: الابتعاد والمفاصلة من جهة، وتأكيد الماضوية من جهة أخرى؛ أي أن الحاضر قد تجاوزهم؛ ولهذا فهو لا يخاطبهم، بل يتحدث عنهم.
6- هل الصحوة بنية مغلقة:
أمّا المسألة الثالثة فهي اعتماد الكتاب على التحليل البنيوي المغلق لظاهرة الصحوة الذي يُوحي بأن صعودها، ثم انحسارها وتفككها جاء في مجمله من داخلها، وفي هذا إهمال واضح للظروف الخارجية الضاغطة، أو الداعمة، أو المشتِّتة والمفكِّكة لها؛ وبخاصة دور التوجيه الرقابي الفاعل في تخليق التيارات المتصادمة داخل الصحوة.
ويقودنا هذا التناول البنيوي إلى المسألة الأخيرة، وهي: اتجاه الكتاب إلى المطابقة التقابلية بين ماقبل الصحوة (اليسار العروبي) بمظاهره الشكلية المتفلِّتة على المستوى الظاهري للفرد، وبين الصحوة بمظاهرها الشكلية الملتزمة، والتركيز على أن هذا التغير أقرب إلى موجات المدّ والجزْر، أو «الموضات» الشكلية التي تحمل النسق ذاته؛ رغم تنوعها الظاهري؛ أي أن الصحوة ليست سوى جزء من نظام محدد في التفكير يُعاد إنتاجه كل مرة بصِيَغ مختلفة، أو بعلامات سيميائية متواطئة، ومثل هذه النظرة فيها حيف شديد على الصحوة؛ لأنها تتناولها تناولاً شكليًا؛ وتعزلها عن أشواقها الروحية التي تميزت بها عمّا سبقها.
7- داء الاستهانة بالتفاصيل:
من وجهة نظري؛ فإن الصحوة قد وقعت في خطأين كبيرين، وهما: تعزيز الوحشة والإحساس بالغربة نحو المجتمع من وجهة نظر دينية عند الشباب المنتمين إليها؛ عبر ترسيخ عدد من الثنائيات المتضادة؛ مثل: الملتزم والعادي، والصحوة والجاهلية، والدين والدنيا، وقد أدت هذه العزلة الشعورية إلى نتائج كثيرة، ومنها: ظاهرة التوجس والشعور الدائم بالتهديد والمؤامرة التي تحدّث عنها الكتاب.
أما الخطأ الثاني فهو: داء الاستهانة بالتفاصيل، والاستخفاف بالجهد الكبير المبذول فيها، إِذ كان يكفي أن تكون مخالفًا لي في الفكرة العامة حتى أستهين بكل ما لديك من عمق معرفي، واجتهادات دقيقة، وآراء محرّرة، وكان من الرائج آنذاك أن ينهض شاب صغير ويردد أمام الجموع حديثين حفظهما للتو، ثم يرى ذلك ويرونه كافيًا لنقض نظرية معرفية أفنى صاحبها سنوات عديدة من عمره لتأسيسها، وتوثيق أدلتها وشواهدها، وقد استشرى هذا الداء الآن وتغلغل في عقول كثير من الناس؛ بصرف النظر عن توجههم الفكري، وكما كان الغذامي - وما يزال - يُهاجَم بضراوة دون أن تُقرأ كتبه، رأينا الآن من يهاجم مشايخ الصحوة أنفسهم؛ كسلمان العودة مثلاً؛ من خلال ما يُروّج عنه من آراء ومواقف، وليس عبر القراءة الواعية لكتبه وإنتاجه المعرفي الغزير، ووثباته الفكرية غير المسبوقة.
وليس هنالك من حيف في تخطئة الغذامي، أو العودة، أو من شئت من الناس؛ ولكن من الضروري الإقرار - في مقابل هذا - بجوانب الإصابة والتَّميز لدى من تختلف معه، ولو كان الأمر بيدي لجعلتُ عبارة: (قل: نعم؛ ولكن، أو: لا؛ ولكن) دستورًا معرفيًا يُعلَّق على جدران المدارس والجامعات؛ ليدرك الناس ضرورة الاعتدال والتوسط في حالتي: التأييد، والاعتراض، ولتتحول «اللاكنية» إلى آلية راسخة من آليات التفكير، ويصبح التنبه لتفاصيل الرأي موازيًا لأهمية النظر المجمل فيه.
التنبه للتفاصيل.. لعله من أجل هذا عرّفت الفيلسوفة الألمانية حنّا آرنت الحضارة بأنها: تعليم الانتباه!.. وأتذكر الآن كيف أحسستُ بهذا المعنى عميقًا يتغلغل في نفسي وأنا في مدينة أورلاندو حين كنا نشاهد استعراضًا ليليًا في مدينة الألعاب أمام حشود الأطفال المصطفة على جانبي الطريق، والأطفال المقصودون هنا هم مجموعة متناغمة من الأطفال وذويهم الذين يكتشفون فجأة أنهم ما زالوا أطفالاً كأطفالهم فتستيقظ في داخلهم كل أشواق الطفولة وسط هذا الاستعراض البهيج، أكثر ما شدّني تلك الليلة وبقي معي لسنوات لاحقة هو: درجة الإتقان والدقة المتناهية التي أخرج بها هذا الاستعراض، وكيف أدى كلّ مشارك الدور المنوط به تمامًا، وبمثابرة متفانية وسعادة غامرة؛ وكأنه يقدم واجبًا وطنيًا لبلده، لم يستهن المنظّمون للاستعراض بالغرض الفني المرِح منه، ولم يقللوا من شأن الجمهور الذي جاء للاستمتاع فقط، ولم يتكاسلوا لأن مبالغ التذاكر قد أُخِذت مسبّقًا، بل عملوا بكل جد وإخلاص، وتدربوا طويلاً على إتقان أدوارهم بمهارة، وتنبّهوا لأدق التفاصيل.. التفاصيل التي جعلت شخصًا غريبًا قادمًا من أرض بعيدة يغادر المكان مع أطفاله المبتهجين، وهويُلملم روحه المتناثرة في منحنيات الطريق، وقد تعلّم معنى عميقًا من معاني الحضارة: التنبه للتفاصيل.
د. سامي العجلان - الرياض