الإحصاءات الأخيرة تقول إن لدينا 260 متحفاً بين رسمي وخاص. وهو رقم عال ومفرح، لكن الواقع يؤكد أن الجزء الأكبر من هذه «المتاحف» أقرب إلى «دكاكين شعبية» متواضعة، يقودها حب التراث والمعرفة، ويعززها وقت فراغ وجده بعض الهواة؛ فاستقطعوا أجزاء من منازلهم، وسموها «متاحف» مجازاً. والقاسم المشترك بين أكثرها التعرُّض للحرائق والسرقة أو الضياع بعد رحيل مؤسسيها، في ظل غياب الجهات التي تشرف عليها، وتقنن العمل فيها، وتعلن المعايير المنظمة لإنشائها وإدارتها ومواقعها وطرق إتاحتها للجمهور تعزيزاً للصورة الثقافية والحضارية والسياحية للبلاد.
كثيرون توقعوا إعادة تأهيل هذه المتاحف وفق برامج عمل مشتركة بين وزارة الثقافة والإعلام وهيئة السياحة، لكن قدراً من الاهتمام فازت به المتاحف الرسمية رغم عزلتها وتدني مستوى الترويج لها، وغيابها عن المشهد السياحي والثقافي الراهن. ولعل أشهر المتاحف الشخصية في المملكة مشروع عبد الرؤوف خليل في جدة، الذي كان مقصد السائحين وأبناء المؤسسات التربوية والوفود الدبلوماسية حتى التهمت النيران جزءاً كبيراً منه عام 2002م. وفي مطلع الألفية الجديدة أنشأ الفنان طارق عبد الحكيم متحفاً فنياً، يضم قطعاً مميزة ونادرة، وإلى جواره مقهى شعبي يهدد بنشوب حريق جديد؛ فأغلقته البلدية عام 2005، وكان قراراً صائباً، لكنه لم يصاحب عملاً ممنهجاً من قِبل الجهات المسؤولة عن هذه الأنشطة وطرائق تطويرها وتأهيلها.
وامتداداً لسلسلة الوعود و»البهرجة الإعلامية» شكّلت وزارة الثقافة قبل ثلاث سنوات لجنة لتطوير متحف الفنان طارق عبد الحكيم. وكما تفعل كل اللجان، وزَّعت «اللجنة» صور اجتماعاتها وتصريحات رنانة بديعة الصياغة، ثم انزوت دون فعل يُذكر. وهذه الحادثة تؤكد مستوى الوعي بدور المتاحف، ودراية الجهات المسؤولة برسالتها وإسهامها في مسار الصناعات الثقافية والسياحية والاقتصادية والتعليمية أيضاً، وهي قطاعات يمكن إنشاؤها بيُسر في ظل الوفرة المالية مع ضمان المحتوى في بلاد ثرية بكل مكوناتها، ويقصدها سنوياً ملايين الزائرين ضمن السياحة الدينية وغيرها؛ وفي ذلك ضمان لنجاح هذه المشاريع ونموها.
بعض المعلومات الإحصائية تقول إن نسبة المتاحف العالمية في ازدياد؛ فهي قبل عقدين لم تتجاوز 20 ألف متحف، وقفز الرقم عام 2014 إلى 500 ألف متحف. وأرجو ألا نكون في آخر القائمة كما استقرت مؤسساتنا الأكاديمية والتعليمية.. ومهما يكن فإن المعلومات المتداولة أكدت أن المستقبل واعد، وأن أربعة آلاف فرصة عمل ستتاح مستقبلاً للشباب إذا نشطت مرافق المتاحف وفق رعاية وتنظيم يجنبانها العشوائية الراهنة.
والمأمول هنا صياغة خطة وطنية حقيقية، تشترك فيها الجهات ذات العلاقة برسم الهوية الثقافية والحضارية والسياحية، تعلن مساراً واضحاً لهذه الصناعة، وتعيد تأهيل الموجود، وتمنح التسهيلات والقروض، وتساعد على إعداد الدراسات؛ ليقبل الجادون المؤهلون من الشباب على إنشاء المتاحف بكل أنواعها دون إهمال أو نظرة دونية لبعضها، وتشجيع الدراسات الأكاديمية حولها، وتوثيق العلاقات بالمؤسسات التربوية والإعلامية، والترويج لها بما يحقق الهدف العام الذي عجزت عنه المؤسسات الثقافية حتى اليوم، بكل أسف!
ما حققته الهيئة العليا للسياحة يبشر بخير قياساً بالخطوات الوئيدة التي تقطعها المؤسسات الأخرى؛ لذا فإن أملاً كبيراً يُعقد اليوم عليها في سبيل تطوير صناعة المتاحف، وتشجيع المبادرات منهجياً في بلد يمتلك «تنوعاً» و»ثراءً» و»مخلصين»؛ وهي مؤشرات طريق نجاح مضمون ومستمر بإذن الله.
محمد المنقري - جدة