من أنظمة التفاعل في تويتر وشرطها الضروري أن تكون عرضة لأي تبادل لفظي لمجرد أن يختلف رأيك عن رأي شخص ما، ولهذا صيغ كثيرة مثلها مثل ما كان يجري في الاسواق حين كنا صغارا ونفرح بأي مشادة لفظية بين رجل ورجل في الحراج أو بين النساء في سوق النساء، وكانت هذه مناسبة لاحتفالنا وتجمعنا لنشهد المشادات والهوشات، ويتكرر هذا في تويتر وسترى أن الحسابات التي تقدم نماذج للهوشات تحظي بمتابعين كثر وبعضها لممارسة الهوشة وتنشيط اللسان، وبعض للفرجة والتشمت وثالث لمحاولة فك الهوشة بين الأطراف، مما هو تكرار لنمط ثقافة الأسواق.
ويبقى عليك حين تقع أنت في هوشة تأتيك دون أن تتقصدها وتحدث لك هذه غالبا حين تقول رأيا يخالف رأي شريحة تعودت وتشكلت في تويتر مع مرور الوقت وتحزبت لأفكار ورؤى محددة وصارت تسوق فكرتها عبر التغريد فإذا رأت تغريدة تخالف توجهها هبت لمواجهة إحباط مفعول الرأي المخالف وتستخدم لذلك أشرس أدوات الهجوم والتشويه المتعمد لقائل الرأي المختلف، ومن أجل محاصرة المخالف سيبادرون لوضع وسم (هاشتاق) ويجتهدون في اختيار عنوان مستفز ليجلب المغردين ويشحنون الوسم بالشتم والقدح بأقصى ما يستطيعون جمعه من تغريدات ومن وصمات ويحرصون على إدامته لأيام من باب الإمعان في محاصرة المخالف من أحل لجمه.
أما المستهدف فيقع عادة ضحية لهذا العنف اللفظي ويكثر أن ترى التشكي والتبرم من هذا الجو ،وهو أمر طبيعي ولكن لو جرب أحدنا أن يغادر كرسي الضحية ويجلس على كرسي الشاهد الملاحظ فحينها سيرى الأمر بموضوعية علمية وبحثية وسيتسنى له قراءة الخطاب الثقافي بكل صيغه وفي هذا سيرى الخطاب الهجائي الذي يعيد زمن الهجائيات الشعرية بكل مفرداتها وعنفياتها اللفظية، وقد حدث لي كثيرا حيث أمارس دور الشاهد المتفرج وأستثمر الظرف لتتبع خطابات تويتر بوصفها علامة على حال الثقافة وطرق إنتاج الصيغ وتبادلات التلفظ، وهو مشهد ثري ومتنوع ساعدني على إنتاج كتاب عن ثقافة تويتر. وما دمنا على كرسي المستقلين فسيسهل علينا أن نكون شهودا، لا ضحايا.