غَوايةُ العمرِ هذا السامرُ العاتي؟
كُرمَى لعينيهِ لن تُطوى (لِماذاتي)
كُرمى لأولِ ميعادٍ بحضرتِه
مسترخيًا يتحَسَّى ماءَ ساعاتي
كُرمى لغُرّةِ ميلادٍ له ولعٌ
مضمّخٌ برفيفِ الأبجديّاتِ
في ليلةٍ من (ليالي الألفِ) نابضةٍ
عن شهرزادَ بأعراسِ الحكاياتِ
ميلادُه كان ميلادي على صَخَبٍ
مدثَّرٍ بقناديلِ الفُجاءاتِ
أنا ابنُ حرفَين من جمرٍ ومن بَرَدٍ
مدّا على شفقِ الأضدادِ أشتاتي
خمرُ القوافي لروحي اليومَ سائغةٌ
وبين كفّيَّ أقداحُ المجازاتِ
رشفتُ فيها سُلافَ الحرفِ يَنفحُني
من نشوةِ الخُلدِ ما يُروي سُلالاتي
فأمهِلِ الصمتَ إجلالاً لأسئلتي
حتى أوازنَ أنفاسي وأبياتي
فإنني لم أزلْ في غارِ موجِدتي
أخشى عليَّ عُواءَ الموسم الشاتي
قل: كيف أضحت ليَ الأيامُ مِنفضةً
أبثُّها ما توالى من رماداتي؟
وكيف في حومةِ الذكرى نسيتُ فمي
وعن وطيسِ الـ(أنا) ضاقت عباراتي؟
وكيف صارت حياتي شِلوَ ذاكرةٍ
شابتْ على وجهِها الموشومِ مرآتي
كانت يواقيتَ ضوءٍ، غمزَ سنبلةٍ
غموضَ وادٍ، أساطيرًا، دُعاباتِ
وجهًا من الشرفةِ النَّشْوى يُلوّحُ لي
وأعينًا عن سوى نبضي غضيضاتِ
كانت سراجًا حميمًا، ينتقي لغةً
بيضاءَ توقظُ أجراسَ النهاراتِ
وكنتُ أقفزُ عشبَ الحُلْمِ منتشِيًا
فيحتوي رَحِمُ التاريخِ (جِيناتي)
كأنها.. (لستُ أدري ما أشبّهُها)
لأنها.. (غاضَ ينبوعُ استعاراتي)
واليومَ تنسحبُ الآمالُ خائرةً
وترتـخي لسياطِ الليلِ مشكاتي
أيُّ التفاسيرِ يُرضي القلبَ؟ أيُّ فمٍ
يترجمُ اللغةَ المشنوقةَ الذاتِ؟
أهْذِي؟ أجلْ، هَذَياني نَضْحُ معتَكَفي
وفيه تمضغُ من عُمْري سُويعاتي
تلك السويعاتُ صاغتْ مقلةً وفمًا
يستدرجانِ تهاويلَ المسافاتِ
ومثّلتنيْ حروفًا ينتفضْنَ أسىً
وأضمرتنيْ غموضًا في السياقاتِ
وقيّدتنيْ بلا عنوانَ يُسلِمُني
إلى انطلاقٍ حميميِّ البداياتِ
مبعثَرًا كبقايا الحُلْمِ، منشطِرًا
كغيمةٍ فارقتْ قُدسَ السماواتِ
والأبجديةُ من حولي مشعّثةٌ
ولستُ أفقهُ منها غيرَ (تاءاتي)
قلْ ما لديك. وخذْ أقداحَ أسئلةٍ
في قاعِهِا رسبتْ أعتى مراراتي
ولا تقلْ: أين مِزمارُ المنى؟ فأنا
نَسختُ بعدك إنجيلي وتوراتي
الجاهليون زَمّوا ركبَهم، وأنا
ما كنتُ أومِنُ بالعُزّى ولا اللاتِ
لكنْ أتاني (أبو جهلٍ) فأنـهضني
وكنتُ مشتغلاً عنه بـ(آياتي)
فضمّ كفِّيْ إلى كفَّيه مبتسمًا
وقال: قم نفترِشْ مَرْجَ الغَوايات؟
فجاسَ في نَفَسي الصعلوكُ مبتدرًا
أن يستعيدَ بقايا جاهليّاتي
أُصغي - ولاتَ سماعٍ- من هناك أتى
حِسٌّ تـهَدّى كأنفاسِ المساءاتِ
مُرقرَقًا كأذانِ الفجرِ ينشرُه
صوتٌ تسلّلَ من دفءِ المناراتِ
يستدرجُ الحرفَ موّالاً، وينظِمه
ضوءًا على وقعِ أجراسٍ شجِيّاتِ
فيستبيحُ دمي طوفانُ موجِدةٍ
وزورقُ القلبِ لم يُوثَقْ بمَرساةِ
للنهرِ شيخوخةٌ تنسَلُّ حاضنةً
ذكرى الينابيعِ في طيشِ المحيطاتِ
وللجداولِ لثغٌ في تدفّقِها
حتى تُمازِجَ أنفاسَ المصبّاتِ
وهاهنا هيّأتْ نفسي ملاسِنَها
للأمسِ واليومِ والمستقبَلِ الآتي
لكنّها وجَمَتْ في ساعةٍ حشدَتْ
إرْثَ الملايينِ من صمتٍ وإخباتِ