لقد تحولت الحرية إلى قضية يلعب عليها السياسيون، وصارت حلماً (وقضية ثورة) للشعوب المقموعة والراغبة في تنفس حريتها، لذلك ليس مستغرباً أن يكون لمصطلح الحرية بعيداً عن المفهوم الثوري لها، فلسفة خاصة لدى الفلاسفة، وكنت قد اختتمت مقالي السابق بفلسفة الدكتور عبدالله الغذامي للحرية، حين قال في كتابه (الليبرالية الجديدة): «الإنسان ليس حراً، الإنسان ليس عبداً، الإنسان شبه حر» فحرية الإنسان لم تعد مجرد مبدأ من مبادئ الإنسانية الأساسية، بل أنها قد دخلت حيز النظريات وارتبطت قطعاً بعدد من المبادئ والقيم الإنسانية الأخرى التي تتأثر وتؤثّر بها.
وهنا أعود مجدداً لاستكمال جزء من حديث الدكتور عبدالله الغذامي حين قال: «في كل بحث عن الحرية (نظرياً وبالشواهد الواقعية) سنظل نرى أن الإنسان لن يكون حراً ما لم يعش مع أحرار» وحديث الدكتور هنا يدلل على أن الحرية قد أصبحت تتأثر بالمجال البيئي أو الإنساني المحيط بها، فضلاً عن أن الحرية تشكل علاقة تبادلية بين الأطراف المعنية بها، حيث استكمل الدكتور قائلاً: «أي أنك ستكون حراً بمقدار ما تعطي غيرك حريته».
ولأن الحرية فلسفة، فقد تحتاج أحياناً لأن تتنازل عن حريتك في مقابل منح الآخرين حريتهم، وهذا ما يطلق عليه بعض الفلاسفة الحرية السلبية، وهذا التنازل السلبي كما يراه البعض هو ما سيمنحك لاحقاً حق التمتع بحريتك في جزء ما من هذه الحياة التشاركية، فالإصرار على حريتك وحدك فيه إقصاء للآخرين واستبداد يتعارض مع المقومات الأساسية لمصطلح الحرية، فقد قال جون لاكريه: «لقد تنازلنا عن حريات كثيرة لكي نكون أحراراً».
وقد تحولت الحرية من الجانب النظري للفلسفة إلى الجانب الفعلي أو العملي، فأصبح لها شروطاً وصارت تتداخل مع قيم الإنسان وحقوقه الإنسانية والمجتمعية في البيئة التي يعيش فيها، فالمساواة لا تكتمل من دون حرية، كما أن الحرية تنقص من دون مساواة على سبيل المثال!
وللفعل الحر شروطه أيضاً، فبمقدار عمق كلمة حرية من حيث إيحائها الوجداني، تكون أعماق فلسفة تلك الكلمة وفعلها، فقد رأى الفلاسفة في قديم الزمان أن هناك تعارضاً بين الطبيعة والقانون، وكان الحر بمعنى كلمة حر هو من يفعل أفعاله وفقاً للطبيعة وفطرته، أما من يسير حسب أنظمة القانون فهو شخص فاقد لحريته، لذلك تشكلت فلسفة الفعل الحر فيما بعد إذا ارتبطت أولاً بمعايير أخلاقية، كما فلسفها سقراط، وطورها أفلاطون بجعلها مرتبطة بوجود الفضيلة، إذ يسوق الإنسان فعله إلى حيث يوجد الخير، وجاء أخيراً أرسطو بمعنى أكثر دقة وشمولية عندما ربط تلك الحرية بالاختيار، والاختيار يعني وجود الإرادة والأهلية الكاملة لدى الإنسان (العاقل) أمام مجموعة من المعطيات والخيارات المتعددة ليختار أي شيء يشاء!
وقد ربط ليبنتس بين الحرية والعقل، حيث قال: «إن الحرية تكون أوفر كلما كان الفعل صادراً عن العقل» فضلاً عن وجود عدد كبير من الفلاسفة والمفكرين قد أوجدوا علاقة بين الحرية ودوافع الفعل، أما لدى فلاسفة المسلمين فقد انقسمت طوائف منهم إلى القول بأن الإنسان ليس حراً بالمعنى الحرفي للكلمة لأنه يظل مسيراً وفق الأقدار والإرادة الإلهية، بينما رأى آخرون أن القدر لا يتعارض مع فعل الإنسان وأن إيمان الإنسان واتباعه للرسائل السماوية أو إعراضه عنها كان للإنسان فيه كامل الحرية، وهم بهذا ينقضون رؤية الطائفة الأخرى!
وبقدر ما طرح الفلاسفة من تعاريف للحرية، إلا أن ثمة جدل قائم منذ ولادة هذا المصطلح بين الحرية والمسؤولية، هل تتوازى الحرية والمسؤولية في خط واحد أم يتعارضان؟
عادل بن مبارك الدوسري - الرياض
aaa-am26@hotmail.com
@AaaAm26