أصبح الضعف في اللغة العربية من الحقائق المرّة التي لا ينكرها أحد، والعوامل لهذا الضعف كثيرة وأُشبعت تحليلًا، ولكنّ جعل مقرر (لغتي) في مقدمتها أمر يستدعي التأمل والمراجعة.
حين يصدر هذا ممن هو بعيد عن المقرر من المختصين أو أولياء الأمور، يُقال لا بأس، الناس أعداء ما جهلوا، لكن العجيب أنه ضحية اتهامات أطراف كثيرة قد تكون هي - وإن آلمها هذا- من العوامل الكبرى في صنع عجلة الضعف، بل وتدويرها، فتحريكها يصعب على مقرر لم يتجاوز عامه السابع!
ابتداءً، ما مستوى طلاب الجامعة وطالباتها؟ وهم خريجو المناهج المجزأة، ولم يشهدوا التقويم! المؤسف أن مخرجها يأتي إلى الميدان التربوي ضعيفًا متعثرًا، خاصة مع انتشار المدارس الأهلية، واعتمادها على الخريجين والخريجات بوصفهم أرقامًا تسدّ الاحتياج، ولو قدّموا (البيان والتبيين) لصعُب عليهم ترك الأثر، أعانهم الله!
أما مقرر لغتي في المراحل الثلاث فهو جيد (جدًا)، إذا - وإذا فقط- قدّمه معلم جيد، استعدّ له، وقرأ دليل المعلم، وتفهّم الطريقة التي تعتمد على تفعيل تعلّم الطالب أكثر من تلقينه، وهذا الطريق أصعب، ويحتاج حِلمًا وعلمًا وأملًا؛ لأن الأسهل أن يحاضر المعلم وفق معلوماته التي هو متمكن منها.
على سبيل المثال، درس (الضمائر المتصلة)، تقدّمه معلمة بطريقة رائعة، ابتداءً بثّت أهميته في الطالبات بمراجعة قراءتهنّ لسورة الفاتحة، اتّبعت إرشادات دليل المعلمة بدقّة، تدير الأنشطة ولا تحلّها هي، في سؤال يطلب تصحيح كتابة الضمير المتصل أثرت الطالبات بجمل وافرة يكتبنها من أخطائهن الشائعة في (أنتِ، لك، الفرق بين التاء المربوطة وهاء الضمير)، وجعلت درجة تحفيزية لمن تصحح كتابتها في ممرات المدرسة.
الدرس نفسه قد تقدمه معلمة أخرى، تملأ الجدول مباشرة، وتستعرض الضمائر، وتطلب مخاطبة أكثر من الواحد بجملة باردة، وتملي رقم الواجب المنزلي، وينتهي الدرس في نصف الوقت.
يقرّ بهذا التباين في تقديم الدرس الواحد مشرفو المادة، بحسب الأهداف العليا لكل معلم ومعلمة، أهداف لا تقيسها المشرفة ولا المديرة ولا أولياء الأمور ولا مراكز خدمة اللغة العربية وجمعياتها.
المعلم حجر الزاوية لنجاح المقرر أو فشله، وهو في خط العودة سيحرص على تدريس أبنائه عند معلمين أكفاء.
فمن صنع العجلة؟ ومن يحرّكها؟ وأين تتجه؟ هل هذه كلها مسؤولية مسبقة ملقاة على المقرر الجديد؟
أخشى أن العجلة المدمرة ستستمر، مرهونة بالإجابة: هل الجامعة تتلقف الضعيف وتخرّجه بلا تدقيق؟ وهل المؤسسة التعليمية تقبله وتتركه بلا تنمية ولا تدريب؟ وهل الأسرة تهتمّ لمعدل ابنها في المقررات العلمية والإنجليزية أكثر من لغته؟ وهل الطلاب والطالبات منغمسون في اهتمامات بعيدة، توقظهم منها بضع أوراق أيام الاختبارات؟ وإلى متى يستمر عزف بعض المعلمين والمعلمات على أوتار الماضي الجميل؟
ويبقى ظل الجواب «من اقتضى بسوى (الإنصاف) حاجته..أجاب كل سؤالٍ عن هلٍ بلَمِ»
أما أنت يا مقرر (لغتي) الفتيّ فسؤالي: لك الله! كيف صنعت هذه العجلة قبل ميلادك!؟
نايفة العسيري - الرياض