-1-
أشرتُ في إحدى المقالات إلى اتساع (ظاهرة السماجة) في مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى خطورة الاحتفاء بها على ذائقة الإنسان ووعيه بالجمال!
وأشرت كذلك إلى أنّ الدعم الكبير الذي حظى به أبطال هذه الظاهرة جعلهم - مع الأيام– نماذج مؤثرة، وأسهم في تقديمهم إلى الجيل الجديد باسم الموهبة والفنّ والإبداع!
وإذا كان الاحتفاء بهذه الظاهرة مسوّغاً على المستوى الشعبي لعوامل متعدّدة فإنّ من المستهجن أن تشارك فيه مؤسسات ثقافية وإعلامية كبيرة، في الوقت الذي تتجاهل فيه فئة مهمة من شباب هذا الوطن، أنفقت الوقت والجهد والمال على اكتساب المعرفة، وإثرائها، وتطويعها لخدمة الإنسان.
-2-
لقد استثمر عددٌ من أبناء وبنات هذا الوطن الفرصَ التعليمية والتدريبية المتاحة داخل المملكة وخارجها في تطوير الذات، ونجحوا في تمثيل بلادهم في عدد من الجامعات والمراكز البحثية، وفي مناسبات ومسابقات علمية لا حدّ لها، بل منهم من نقش اسمه على جدار أبرز العلماء والباحثين والمخترعين، وإليكم بعض الأمثلة (جمعتها من مواقع رسمية وشخصية، ومن بعض المواد المنشورة في عدد من الوسائل الإعلامية):
غادة بنت مطلق المطيري، متخصصة في دكتوراه الهندسة الكيميائية، ورائدة في مجال تقنية النانو كبديل للجراحة العادية في علاج السرطان، حصلت على أرفع جائزة للبحث العلمي في أمريكا، وعلى منحة مالية كبيرة لدعم مشاريعها البحثية.
فوزان بن سامي الكريع متخصص في علم الوراثة، له عدد كبير من البحوث العلمية، وحصل على إحدى الجوائز العالمية في علم الوراثة، وعلى عدد من الجوائز المحلية.
نائلة فاران، متخصّصة في الطبّ النووي، وهي أول سعودية تتخصّص في هذا المجال، وحصلت على شهادة اعتماد من مجلس إصدار شهادات الطبّ النووي (وقد توفيت قبل أيام رحمها الله).
عوض بن حسين القحطاني، متخصص في الرياضيات، قدم بحثاً بعنوان: «خوارزمية جديدة لحساب الدالة المصفوفية الأسية»، وحصل به على جائزة جمعية الرياضيات التطبيقية والصناعية الأمريكية (SLAM).
نورة بنت أحمد رشاد، متخصصة في مجال جراحة الأوعية الدموية، أنجزت دراسة في حماية مريض السكري من بتر أطرافه، وقدمت تجارب متطورة لعلاج بتر الأطراف في فرنسا وإيطاليا وأمريكا، وهي أحد أبرز خمسة وعشرين طبيباً على مستوى العالم في هذا التخصّص، وأول عربية، وأول سعودية، وأول فتاة، وأصغر طبيبة، تعمل في هذا المجال.
مهند جبريل أبو دية، متخصص في هندسة الفضاء، له عدد من الاختراعات، حصل ببعضها على جوائز عالمية، بالإضافة إلى ميدالية الاستحقاق الذهبية من الاتحاد الدولي للمخترعين (IFIA).
مروة بنت أحمد بكري، متخصصة في الأحياء الدقيقة، قدمت بحثاً عن الطرق الحديثة في انتقال البكتيريا من الحيوان إلى الإنسان، ونُشِرَ لها أكثر من بحث في المجلات العلمية الكبرى، وحصلت على عدد من الجوائز.
عادل بن سعيد العوامي، متخصص في تقنية المعلومات والحاسوب، طوّر برنامجاً حاسوبياً باسم المترجم الإشاري، ييسر ترجمة المواد الإعلامية المبثوثة باللغة العربية إلى لغة الإشارة الدولية، وهي اللغة المعتمدة لذوي الإعاقة السمعية، حصل على المركز الأول في مسابقة ما يكروسوفت إمياجن كب عام 2009م، وعلى جائزة من مايكروسفت العالمية، والمركز الوطني الأمريكي للإبداع التكنولوجي في واشنطن، وقد تبنت الجامعة العربية المفتوحة تطوير منجزه – بحسب ما نُشِر -.
هذه نماذج معدودة، يمكن أن نضيف إليها عشرات الأسماء في مجالات العلوم المختلفة، قدّمت كل ما لديها ووقفت تنتظر منا التسويق الإعلامي الذي يليق بمنجزها، والدعم المادي الذي يمكّنها من تحقيق هذا المنجز على الأرض.
وربما يجهل الكثير منا أنّ طرفاً من هذا المنجز أصبح اليوم جزءًا من نشاطنا التنموي، ومن ذلك – على سبيل المثال - مشروع وصال الذي قدمه سبعة من المبتعثين والمبتعثات إلى وزير العدل السابق، وهم: غادة الغنيم، وأحمد أصفهاني، ورندا المداح، ولمى حاكم، وكميل مصلي، وخالد السمير، وتسنيم الجهني، وقد وجه الوزير - بعد متابعة العرض المقدم من الفريق - باعتماده وإدراجه تحت مشروع الملك عبدالله لتطوير القضاء – بحسب بعض المصادر الإعلامية –.
-3-
نحن هنا أمام شباب (من الجنسين) تركوا الصراع حول الهوامش للهوامش، وانطلقوا بكامل طاقتهم إلى بناء مستقبل هذا الوطن، ورغم نجاحاتهم الكبيرة، وإسهامهم المباشر في بعض المشاريع التنموية، فإنّ الجهل بهم وبمنجزهم أكبر من أن يوصف، ومساحة حضورهم في الإعلام أقل من أن تذكر، وقد قصّرت بعض الوزارات أو الجامعات التي يتبع إليها هؤلاء في تسويق أفكارهم ومنجزاتهم، أو في البحث عن السبل الممكنة لاستثمارها.
لذلك أتطلع إلى أن تقوم وزارات: التعليم والثقافة والإعلام والخدمة المدنية والعمل بوضع خطة للاحتفاء بهذه الفئة المتميزة، بالشكل الذي يبرز جهدها ومنجزها، ويجعلها جزءًا رئيساً من الصورة البارزة للجيل الجديد في بلادنا، ومن ذلك – على سبيل المثال -:
- تنظيم لقاء لهذه الفئة بالملك سلمان – حفظه الله -، واستغلال هذا الحدث المهمّ لعرض طرف من منجزاتهم وابتكاراتهم وجوائزهم.
- تكريم هذه الفئة في معرض الرياض الدولي للكتاب، وأذكر أنني تقدمت قبل سنتين بمقترح مماثل لوكيل الوزارة للشؤون الثقافية د.ناصر الحجيلان، وحظي بموافقته المبدئية، وأرجو أن تتمكن الوزارة من وضع الآلية المناسبة للاحتفاء بهذه الفئة في المعرض القادم أو الذي يليه.
- تخصيص برامج تلفزيونية ذات رؤية حديثة (شبابية)، لتسويق هذه الأسماء ومنجزاتها، ولا أنكر أنّ ثمة برامج قامت بشيء من هذا، لكنها تحتاج إلى تطوير يمكّنها من منافسة عشرات البرامج الأخرى.
- استخدام الحسابات الرسمية للوزارات والجامعات والمؤسسات الإعلامية لدعم هؤلاء الشباب، وعرض منجزاتهم، ودعم حساباتهم الشخصية.
- إنشاء موقع إلكتروني يقدّم لمحة موجزة عن منجز هذه الفئة، والجوائز التي حصلت عليها في الداخل والخارج، ومن الممكن ربطه بالبوابة الإلكترونية لوزارة التعليم.
وسيظل جزءٌ كبيرٌ من مسؤولية دعم هذه الفئة معلّقاً على أصحاب الحسابات المتابعة في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى كل حريص على نهضة هذا الوطن!
خالد الرفاعي - الرياض