تمر الليالي لا أرى البين ينقضي
ولا البين من رق التشوق معتقي
ولادة بنت المستكفي
ذات يوم وعندما ذهبت إلى قرطبة أخذني الدليل السياحي أول ما أخذني إلى المسجد الكبير، أوكان يظن أني قبل كل شيء بحاجة إلى المغفرة؟
وافقته لأن الصلاة تبتدئ من البسملة والمدن من المساجد ولأننا كلنا في ضيافة الله.
سألني إن كنت من اليمن؟ أجبت وأجدادي كانوا هنا وإنا السَليِل التاسع عشر للسمح ابن مالك الخولاني وجئت هنا للسلام على أجدادي.. أعني على رفاتهم ولأطمئن على بقايا الياسمين. لكني لم أصلي الركعتين فما عاد يسمح لنا هناك سوى بالبكاء
2
كان الياسمين يبكي على الشرفات لكأن دمشق كانت هناك ولكأن العرب اليمانية لم تغادر وقلت للدليل خذني إلى قنطرة جدي أو سيأخذني نحوها الماء، وقال أطمئن أن؟ى اتجهت سيتلقفك الوادي الكبير وإليها ستنتهي ولكن إياك أن تفتح باب العتب فالماء لا يحفظ الذكرى ولا النساء أيضا واختصر التنهدات والوقت قد فات...
...
وفعلت
3
ولم تعد هناك القنطرة وحدها.. كانت هناك جسور ومراكب ووجوه كثيرة وغريبة وألف لسان ولسان عدا اللسان العربي فهل خان الشعر أم خان المحبون ؟
ولم يعد هناك ما أفعله سوى أن أطوح بقطعة نقود الأمنيات في الماء ولا غالب إلا الله
4
وعدنا لشوارع قرطبة ولم يكن لدينا ما نقوله لإبن ميمون الواقف كشاهد لحضارة التسامح ولم يعد هناك ما يتلى في قرطبة عدا الحنين.
ولكأن الدليل كان ينتظر السؤال الذي لم أسأل.. كان ينتظرني أساله عن مكتب البريد الذي كان يوزع الرسائل لبنت المستكفي وعندما لم أفعل تطوع يسرد قصتها وقلت حسبك.. ذلك لم يعد يهمني كثيرا.. ألم تقل لي أنت إن الوقت فات؟
وصمت الدليل.. كان لديه ما يقوله لكن البون كان شاسعا حتى على الذكرى.
5
وتصافحنا قبل أن نفترق هو وأنا.. قرطبة وأنا.. ولم نتبادل عناوين ولا أرقام هواتف.. كان يعرف أني أخاف الوداع وربما لن اعود يوما ولأني أعرف أن الفراق الحزين هو من يحفظ الذكرى وأن الوداع البليد خيانة.
6
وافترقنا
عمرو العامري - جدة